سيرياستيبس :
طالما عودتنا السوق العقارية على المفارقات.. فرغم توسع النشاط العمراني، نجد أن ثمة أمران لا يزالان عسيران عن الحل، الأول يتعلق بالتمويل السكني الذي لم ينكفئ عن السير بخطى بطيئة نتيجة الشروط القاسية –إن صح التعبير- التي تضعها المصارف لهذا المنتج الحيوي والإستراتيجي حسب وصف البعض، رغم أهميته لخدمة شريحة كبيرة من طالبي السكن، وما يحققه من دفع لعجلة سير المصارف في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتتلخص هذه الشروط بتحديد سعر فائدة مرتفع ونسبة تمويل منخفضة لا تتجاوز في أحسن الأحوال الـ60%، ويرى بعض المراقبين إن المصارف مجبرة على ذلك كونها تدير أموالاً لمودعين في ظل هامش توظيفات استثمارية ضيق، ما يجعلها تلجأ إلى فرض هذه الشروط لضمان الأرباح لها وللمودعين، في حين يرى البعض الآخر أن المصارف العاملة في سورية غير جادة بالاضطلاع بدورها التنموي بشقيه الاقتصادي والاجتماعي وبالتالي هي تسعى إلى الربح السريع بغض النظر عن القطاعات التي تمولها، الأمر الذي همّش منتج التمويل السكني نظراً لطول فترة سداده. أبسط في الوقت الذي يؤكد فيه البعض أن تخفيض سعر الفائدة للتمويل السكني وزيادة مبلغ التمويل من شأنه أن يحل 75% من مشكلة التمويل السكني، يعتبر البعض الآخر أن المشكلة الأساسية لدى المصارف تكمن بضيق هامش التحرك لديها ما بين فوائد المودعين، والتوظيفات الخاصة بها، بحيث تتمكن من تحصيل كلفة المبالغ المودعة لديها وتحقيق هامش من الربح، معتبرين أن التمويل المصرفي للسكن في كثير من الدول أسهل وأبسط مما هو عليه في سورية، حيث الفائدة منخفضة جداً ونسبة التمويل تصل إلى 100%، وذلك لأن مجالات الاستثمار فيها بالنسبة للمصارف مفتوحة على جميع القطاعات، فبإمكان أي مصرف أن يقوم بدور التاجر ويوظف أمواله بأي قطاع يشاء، بغية الحصول على أكبر قدر ممكن من العوائد المالية. كما أنه في بعض الدول يمكن للمصرف –على سبيل المثال- أن يقوم بدور تاجر العقارات وينشئ ضواحي سكنية لبيعها ويحقق بذلك أرباحاً جيدة، أو أن يبني فنادق ليستثمرها، أو يوظف أمواله في البورصة ويدخل بالمضاربات، بل إن بعض المصارف في أوروبا تقوم بشراء أندية رياضية…الخ ما يعني في نهاية المطاف توظيف كتلة رأس مال في أكثر من قطاع والحصول على أرباح يوزع قسماً منها على المودعين، فإذا خسر المصرف في قطاع ما ربح في قطاعات أخرى، وبالتالي نجد أنه يمكن له أن يطرح منتجات مصرفية وبشروط ميسرة لأن لديه خيارات متعددة إن خسر بأحدها عوض خسارته بالبقية، في حين أن الأنظمة في سورية لا تسمح بذلك. لم يحدث..! بالتوازي مع ما سبق يبرز لدينا الأمر الثاني المتعلق بحجم الأموال الهائلة التي تلقاها قطاعنا العقاري، واستحواذه على الحصة الكبرى من سيل الاستثمارات الداخلية منها والخارجية، ما يفترض ووفقاً لمنطق وقواعد السوق أن يؤدي ذلك إلى زيادة في العرض ليتوازن نسبياً مع حجم الطلب، وبالتالي يكسر حدة ارتفاع الأسعار، إلا أن هذا لم يحدث، بل على العكس واصلت الأسعار ارتفاعها وكأن كفة الطلب أقوى من كفة العرض، ما يدل بالنتيجة على عدم منطقية سيرورة هذا القطاع، وتغريده خارج قوانين السوق المتعارف عليها في معظم دول العالم، وكأن القائمين والمعنيين بالعقار السوري من القطاعين العام والخاص يصرّون أن يحتفظ عقارنا بخصوصية تجعله متمرداً على جميع قواعد السوق وأعرافه لغاية بأنفسهم، لدرجة أن السوق العقارية أضحت تعاني من ركود تضخمي أي (كساد السوق -نتيجة ارتفاع الأسعار- مقابل ضعف الطلب) فمن اشترى خلال فترة الفورة لا يبيعها بأسعار اليوم الحقيقية والتي تتناسب مع ضعف الطلب، بمعنى أن الأسعار يفترض أن تكون أدنى بكثير مما عليه الآن، لذلك نلاحظ أن الذي يحرك السوق هو المضطر للشراء والمتقنص للفرص من جهة، والمضطر للبيع بقدر حاجته للسيولة من جهة أخرى. أخيراً.. رغم تأكيدات المراقبين للشأن العقاري مراراً وتكراراً على ضرورة وجود مبادرات وحلول جذرية من الحكومة لوضع حدٍ لتطرف السوق، إلا أن ما قمت به الحكومة لم يلق صدىً في سوق أطبق متنفذيه الخناق على مفاصله، لدرجة باتوا هم المفتاح الأول والأخير لأي تغيير قد يطرأ عليه، وما مؤتمرات التطوير العقاري، وندوات حل مشكلة العشوائيات، إلى جانب ما صدر من تشريعات وقوانين، سوى بريستيج أُريد به تسويق فكرة أن جهاتنا الحكومية مهتمة (شكلياً) وليس (فعلياً) بأزمة السكن، ونودُّ أن نختم (نعتقد أن توفر الإرادة الحقيقية لهذه المسألة يسهم بالفعل بحلها نسبياً على أقل تقدير، لاسيما وأننا لا نفتقد الخبرات الكفيلة بطرح أفكار ومبادرات ناجعة)
|