كتب الاعلامي ميشيل خياط :
تزداد الظروف المعيشية السورية صعوبة وحدّة، وسط اشتداد وطأة التضخم المالي على الرواتب والأجور، ما أفقدها دورها وجدواها.
وعلى الرغم من ذلك كله، يقبل على الزواج في سورية ما يقرب من 400 ألف رجل وامرأة «في المتوسط سنوياً»، حسب الإحصاءات الرسمية في السنوات القليلة الماضية.
ولعل في هذا الأداء، تعبيراً شديد الوضوح عن تبني الموروث الحميد في السعي إلى تكوين أسرة وإنجاب أطفال، خلافاً لما نقرأ عن الدول الغربية من عزوف عن الزواج طلباً للحرية وهرباً من النفقات الباهظة لتنشئة الأطفال وخوفاً من استحواذ المرأة على نصف ممتلكات الرجل عند الطلاق، ما قاد إلى تراجع بعدد السكان في تلك الدول، وارتفاع نسبة المسنين.
ونلمس على المسار ذاته للسوريين تمسكاً بالرغبة في احتضان الزواج في بيت مستقل تمهيداً لتكوين أسرة.
ولم تعد الأبنية الطابقية الحديثة تسمح وهي الصغيرة- عملياً- بالمقارنة مع البيوت العربية القديمة، بالعيش المشترك مع الأهل.
ولما كان أغلب السوريين يؤثرون أن يمتلكوا البيت لا أن يستأجروه، فإن المسألة العويصة التي تواجههم الآن هي الغلاء الفاحش جداً للبيوت وعدم قدرة أغلب الأسر الجديدة على امتلاكها، ما يضطر الراغبين في الزواج وهم –كثر- أن يستأجروا بيتاً بأجر يلتهم أغلب دخلهم الشهري، وهذا سبب جوهري من أسباب الكثير من حالات الطلاق!!
ومن الملاحظ أن نسب الطلاق باتت مرتفعة جداً بما لا يتلاءم أبداً مع عاداتنا وتقاليدنا وتماسك الأسرة في مجتمعنا، ولكن كما يقال: «الجوع كافر».
وقالت الدكتورة رشا سيروب الأستاذة في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق في محاضرة، قدمت جريدة «الوطن» السورية نبذة عنها في 15/10/2024: «إن وسطي دخل الفرد في سورية لا يشكل 10بالمئة من إنفاق الأسرة وإن 80 بالمئة من السوريين فقراء و90 بالمئة منهم يعانون من انعدام الأمن الغذائي»، وعلى الرغم من ذلك فإن أكثر من مئتي ألف واقعة زواج تسجل في سورية سنوياً.
لا أسرة من دون بيت، تماماً مثلما لا حياة للإنسان من دونه، وهذا يعني أن الحفاظ على مؤسسة الزواج يتطلب سعياً ناجعاً نحو جعل المنازل متاحة للأجيال الشابة الراغبة في الزواج.
وعندما نقرأ أن البيوت بمئات الملايين في الريف والضواحي وأنها بالمليارات في المدن، قد نُحبط، علماً أن هذه الأسعار ليست حقيقية بل ابتزازية، ونتاج استغلال بشع للظروف المأساوية الناجمة عن «الحروب» المستمرة علينا منذ ثلاثة عشر عاماً.
في محاضرة الدكتورة سيروب ذاتها نقرأ أن الفجوة السكنية تتسع، وأن تكلفة الحصول على سكن، تشكل 60 إلى 70 بالمئة من دخل الفرد السنوي، وأن الاستثمار في السكن تراجع 50 بالمئة..!!.
وتورد رقماً تسنده إلى المكتب المركزي للإحصاء مفاده أن 215 ألف وحدة سكنية في سورية تعرضت للتدمير الكلي أو الجزئي خلال سنوات الحرب «وهذا الرقم يتناقض مع أرقام وتقديرات سابقة تحدثت عن الحاجة إلى ملايين البيوت الجديدة بعد هذه الحرب الضروس».
وعلى الرغم من ذلك كله لابد من اختراق استعصاء السكن الجديد، والعين هنا يجب أن تُركز على الأسر الجديدة.
وعندما اقترحنا سكن الشباب لجميع الراغبين، طالبنا ببيوت شبابية صغيرة، وقد نفذ بعضها في خمس سنوات بأسعار رحيمة جداً، ثم جاءت الحرب وبدأ استغلالها البشع وضُربت التجربة وكانت قصة نجاح مذهلة.
تعالوا نستفد من الأخطاء ونتجه للبناء على النجاح: بيوت أصغر للعرسان مشهورة عالمياً باسم «استديو» مساحتها في باريس تنخفض إلى ٢٩م٢ «غرفة واحدة» وترتفع في مصر العربية إلى «28م٢».
مثل هذه البيوت ملائمة لبدايات الحياة الزوجية، تبنى بأموال الراغبين وبقروض ميسرة «على 25سنة»، آخذين بعين النظر أن الرواتب والأجور سترتفع حتماً لتواكب التضخم المالي.
ستحصل المؤسسة العامة للإسكان على القروض، باسمهم وبضمانة البيت ذاته وبأرباح إنجاز 5 بالمئة فقط، وَيُقبَل الجميع، وَيُعدَل بينهم بالقرعة الإلكترونية لجهة وقت استلام البيت وارتفاعه واتجاهه، إنه حل إنساني واجتماعي واقتصادي.
لا تستصعبوا الوصول إلى بيوت جديدة هي ضرورية، إذ لا حياة اجتماعية وإنتاجية من دون مسكن، إنه مثل الهواء والماء للإنسان.