الكاتب الكبير زكريا تامر
لقد خُلق الإنسان خطاء نساء جزوعاً منوعاً, يبصر طرق النجاة, فلا يقربها, ويرى مهاوي الهلاك, فيوقع نفسه فيها, ولكن عقلاء هذا الزمان الراهن يتركون خفيةً الأخلاق الممدوحة وينهجون سبل الأخلاق المذمومة..
وخُلقت الآذان لتسمعوا, فلا تسمعوا إلا ما يبهجكم وحدكم, ولا تصغوا إلى استغاثة الوطن المطوق بالأعداء, فهي لا تستحق أن ينصت لها منصت ما دامت أرواحكم مصونة, وما دامت أموالكم ونساؤكم وقصوركم هي وطنكم الأوحد..
وخُلقت العيون لتبصروا, فلا تبصروا إلا غايات نفوسكم وأجسامكم, فعلى قدر الاجتهاد تعلو الرتب. ولا تنسوا أن أحد أجدادكم كان يستغيث في الأسواق منادياً : واشوقاه إلى من يراني ولا أراه!
وخُلق العقل لتفكروا, فلا تفكروا إلا في امتلاك المزيد من متاع الدنيا, فالحياة بحر هائج الأمواج, ولكن الفكر الأصيل غواص يستخرج الدرر, والتواني أبو الفقر, والثواب على قدر المشقة, ومن فهم معنى الوجود أدرك سبل الصعود الى الذرى. أما إذا نشبت حرب بين عقولكم وأهوائكم, فاتبعوا الهوى بغير تردد, فقاضي العقل يجور ويدين, وقاضي الأهواء يحكم بأن غم الجماعة سحابة تمطر فوق أراضي الأذكياء..
وخُلق الغضب لتغضبوا, فلا تغضبوا إلا إذا خسرتم في مناقصة أو مزاودة, فالنقص في المال نقص في العقل..
وخُلقت الأيدي لتبني وتزرع وتحصد, فلا تتعبوا أيديكم إذا كان هناك آخرون يزرعون ويحصدون ويبنون, واحرصوا على ألا تكونوا كدود القز الهالك وسط نسيجه..
وخُلقت الأقدام لتسير الى أمام ووراء ويمين ويسار, والنهر وحده يسير الى الأمام لأنه نهر, وأنتم لستم بالأنهار..
وخُلقت القوانين لتطبع على ورق وتنشر وتناقش وتطاع وتحترم, ولكن من يكترث لها ويتذكرها في ليله ونهاره ستتحول غزلانه قروداً,ومن الحصافة مخالفة كل القوانين باسم حمايتها والولاء لها..
اكظموا غيظكم إذا اغتظتم من خصم يفوقكم قوة, وهادنوه, فمهادنة القوي ليست دليل ذل بل هي لا تريد لكم أن تخرجوا من الدنيا عراة كما دخلتم, وكل سهم لا يقع في مقتل علاجه سهل..
اكذبوا إذا كان الكذب ينفعكم, فالصدق ممقوت, والكذب محمود, والحمير ستظل تنهق وترفس وتمشي على أربع مهما نصحت..
تملقوا من هو أعلى منكم, وتمادوا في احتقار من هو أدنى منكم, فمن رقّ لبكاء طفل لم يقدر على فطامه..
ارتجفوا رعباً بغير خجل واطلبوا الأمان الممزوج بالذل إذا كانت السيوف محدقة بكم, فانحناء القوس ليس ركوعاً إنما هو اعوجاج, ولولاه لما انطلق سهم..
ولا تنسوا أن العمر قصير قصير, فاختلسوا ما طاب لكم من أموال الناس, ولا تنسوا أن لكل زمان فضائله ورذائله, فإذا سادت الرذائل, فان السعي لطلبها برهان على النضج, والنضج مطلوب, فالسنون مراحل, والشهور فراسخ, والأيام أميال, والربح جنة, والخسارة نار, ولا يعجب بالفقر والزهد إلا من لا فهم له..
وتمادوا في التباهي بالإخلاص للمبادىء الإنسانية والأفكار السامية والقيم النبيلة, فهو جدير بأن يعم في الأحاديث اليومية والمحاضرات والندوات التلفزيونية, فخير طبيب سيخفق في معالجة مرضاه إذا اعتمد على الدواء وحده, ولم يرافق الدواء كلام طيب, فالناس تعودوا الإعجاب بأصحاب الأقوال البليغة وعدم الاكتراث لأفعالهم الدنيئة..
وتنبهوا إلى أن الخوف أجدى سلاح, فهو الذي سيجعل الحي والميت مطيعين لكم في السر والعلن, وهو الذي سيعبد لكم الطرق الوعرة الموصلة إلى القمم..
واعلموا أن المال شمس تبهر الأبصار وتعميها, فلن يرى الناس طرقكم الخسيسة لامتلاك المال, وسيرون المال فقط, وكلما ازداد المال ازداد عدد العميان, ومن يجرؤ على الانتقاد يطوق فوراً بالازدراء والعداء والاتهام بالغيرة والحسد وإثارة النعرات الطبقية..
وتذكروا دائماً أن اليد الواحدة لا تصفق وحدها لأن التصفيق حالياً يحتاج إلى يدين هما سارق وقاتل يتحالفان معاً التحالف الذي سيستنكر شفوياً, ولكنه سيحصد المغانم من دون حساب, وسيجد فيما حوله جيوشاً من المنافقين الطامعين في بعض الشورباء..
واطلبوا العلم والخبرة, فهما مطلوبان بإلحاح لأن الجزار الخبير يذبح أسرع وبجهد أقل, والنجاة من الكمائن المميتة فن لا يتقنه الجهال..
وعاملوا الدنيا على أنها ليست سوى مجموعة من الأدغال ليس فيها غير آكل ومأكول, والأحمق هو الذي يختار أن يكون مأكولاً..
واحرصوا على إطاعة الله ورسوله علانية أمام حشد من الشهود الموثوقين, فأجرها في الآخرة أجر عظيم, ولكن الرجال القادرين حقاً هم الذين يتمكنون من تسلم الأجر في الدنيا وقبل الانتقال إلى ظلمات القبور..
وآمنوا بأن العدل يسود أياماً تمر كالبرق بينما الظلم يهيمن ويسيطر ويمكث ويجثم أعواماً تلو أعوام, فكونوا مع الظالمين الرابحين ولا تكونوا من المظلومين الخاسرين, فهل ستحظى هذه الوصايا بما يليق بها من تقدير وتلتزمون بها أم أنكم أنجزتم ما هو أسوأ وأحط من غير انتظار لأي مرشد أو دليل؟؟؟
الثورة
المصدر:
http://syriasteps.net/index.php?d=160&id=141