فيما تستمر اتفاقيات التنقيب الأثري مع الأجانب ..
الوزيرة لبانة مشوّح معنيّة بإيجاد حل لخريجي التاريخ وعلم الآثار .. وإنقاذهم من هذا النفق المظلم
سيريا ستيبس – علي محمود جديد
صحيح أن السيدة وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوّح قد أطلّت على الهيئة العامة للآثار والمتاحف وناقشت خلال اجتماعها في العاشر من أيلول الجاري، مع أسرة الهيئة الوضع العام للآثار والمواقع الأثرية والتاريخية، وأعمال التأهيل المنجزة في المواقع التي دمرها الإرهاب.
وصحيح أيضاً أنها أكدت في معرض حديثها أهمية مشروع التوثيق الرقمي للتراث المادي واللامادي، كما وجّهت بضرورة تأهيل الكوادر الفنية بإقامة ورشات عمل ودورات تدريبية على امتداد محافظات القطر، الأمر الذي سيصب في خدمة الآثار السورية العريقة، ويسهم في ترميم ما طاله التخريب.
غير أنه لم يتسرّب أي معلومات عن ذلك الاجتماع، حول ما قصدته الوزيرة ( بالكوادر الفنية ) عندما وجهت بضرورة تأهيلهم وإقامة ورشات عمل ودورات تدريبية لهم.. فمن هم هؤلاء الكوادر ..؟!
إنّ الاختصاص الأبرز والأهم لكوادر فنية تفيد الآثار والمتاحف فعلاً هم أولئك الآثاريين خريجي قسم التاريخ وعلم الآثار من الجامعات السورية، المرميون على قوارع الطرقات دون اهتمامٍ من أحد ولا اكتراث، فقد دخلوا هذا القسم الشيّق رغبة منهم بدراسة تاريخ بلادهم وآثارها، وربما عنوة لعدم قدرتهم على دراسة فرع آخر، وعدم القدرة هنا ليس عجزاً بطبيعة الحال، وإنما انصياعاً لمعدلات جامعية لا تأخذ بالحسبان الرغبات الحقيقية الكامنة في نفوس الطلبة وعقولهم، ولكن بالنهاية لا يتخرج طالب التاريخ إلا ويكون قد انغمر كلياً بعلوم التاريخ وعادياته، وصار متشوّقاً لأن يعكس ما نهله من العلم على الأرض، عبر دراسات وأبحاث تاريخية وآثاريّة لا ميدان لها على الأرض أفضل من آلاف المواقع الأثرية المنتشرة في الأرجاء السورية، فهناك يمكن لهم أن يتعمقوا في الأبحاث، ويمارسوا التنقيب المتقن في تلك المواقع وما حولها، أو في المواقع الجديدة المكتشفة. ولكن المؤسف أن أعمال التنقيب عن الآثار يُناط بها إلى بعض السوريين أحياناً، غير أن أهم هذه الأعمال وأوسعها ما تزال تُعطى لبعثات تنقيبية أثرية أجنبية.
بالأمس .. ومنذ نحو ثمانية أشهر وقعت الهيئة العامة للآثار والمتاحف اتفاقية مع جامعة ( سابينزا روما الإيطالية ) لتشكيل بعثة مشتركة للتنقيب الأثري في تل فرزت الواقع قرب بلدة النشابية في ريف دمشق. ومن المفترض أن تكون الأعمال قد بدأت في الموقع خلال شهر حزيران الماضي على أن تشمل إنجاز مخطط طبوغرافي للموقع وإجراء بعض الأسبار الأثرية فيه لمعرفة التسلسل الطبقي والفترات التي سُكن فيها التل خلال العصور القديمة.. وما إلى ذلك ..!
وفي قلعة حلب بعثة أجنبية طويلة عريضة تعمل على إنشاء قاعدة بيانات خاصة بجميع المواقع الأثرية ضمن مدينة حلب ومحيطها.. !
لا بأس .. ربما تتفوق علينا جامعة سابينزا روما الإيطالية بشؤون التنقيب وفنيّته .. وربما يتفوق علينا أولئك الأجانب الآخرين في إنشاء قواعد البيانات والتوثيق حتى لأرضنا وكنوزنا، لن ننكر ذلك إن كان الأمر كذلك بالفعل، غير أنّ السؤال العريض هو :
لماذا هذه الجامعة وكوادرها وخريجيها .. ولماذا تلك البعثة الأجنبية يتفوّقون على جامعاتنا وخريجيها وكوادرها بهذا المنحى، لاسيما وأننا نحن أصحاب الأرض ولهفة الاهتمام ..؟! ولاسيما أيضاً وأن كافة العلوم مع انتشار الأنترنت على مستوى العالم بهذا الفيضان الهائل من المعلومات، لم تعد حكراً على أحد ..؟!
في الحقيقة لا سبب وراء ذلك سوى إصرارنا على إهمال كوادرنا وعدم الاكتراث بهم واستسهال تهميشهم ، وعدم احترام معرفتهم وقدراتهم العلمية .. والعبث فيما تلقوه من علوم .. ! وكذلك إصرارنا على مزاعم ربط الجامعة بالمجتمع وبسوق العمل بالكلام المستهلك في أغلب الأحيان، فلا ربط ولا رباط ولا من يحزنون، وهذا كله أوصلنا كي نرى كوادرنا المتخصصة المؤهلة داشرة هنا وهناك، عاطلة عن العمل والإنتاج، ترمي اختصاصاتها جانباً وتبحث في أي مكان وأي مجال عما يسدّ رمقها، وهي في كل يوم تفقد قسطاً من ذخيرتها العلمية أمام متاعب الحياة وقساوتها .. وحقيقة ذلك الرباط الضائع.
السيدة وزيرة الثقافة المحترمة .. ندرك حجم المعارف العالية والجليلة التي تتحلّين بها .. وبها نفتخر .. ولكن بحكم موقعك اليوم نستأذنكِ بلفت الانتباه – على هامش لقائك مع هيئة الآثار والمتاحف – إلى أن الواقع البائس لخريجي التاريخ وعلوم الآثار في بلادنا .. وبدلاً من أن يكونوا كخلايا النحل تعمل في مجال آثارنا الغنية، وكذلك بدلاً من أن نرفد بهم نحن البلدان الأخرى كثروة وطنية كبرى نمتاز بها .. فإنهم مع الأسف يواجهون أقسى حالات الإحباط والإهمال وعدم الاكتراث..!
إنهم أمانة في عنقكِ اليوم .. وعنق وزارة الثقافة التي تقودينها، لينطلقوا إلى حياتهم المنتجة التي تاقوا إليها عبر تلك العاديات المنتشرة في أنحاء البلاد، ويباشروا مشوار حياتهم العملية فيها وعنها وحولها .. حماية وتنقيباً واكتشافاً .. حتى أن هؤلاء الشباب التائهين اليوم يمكن أن يكونوا سنداً قوياً في تغذية المحتوى الثقافي الرقمي ( بِما يُحقِّق حِمايةَ التُّراث الثّقافي المادي وَاللامَادي، وَيُعيد الهُويَّة الثقافية الوطنية، وَيُبرِز مُكَوِّناتِها مَحلياً، ويُنَشِّط الذّاكرة الوطنية هذا بِالإضافَة إلى بِناء منظومة ثقافيَّة وَطَنيَّة، وتأمين سرعة انتِشار المُنتَج الثقافي مَحَليّاً وعالَميّاً ).
هذا الكلام الهام والجميل ( بين القوسين ) هو لكِ سيادة الوزيرة، وهذه توجهاتك لهذا المحتوى الذي يدخل فيه علم التاريخ والآثار على نطاق واسع، والذي نوّهتِ عنه وعن أهميته في اجتماعكِ مع هيئة الآثار والمتاحف، كما كنتِ أوضحتِ مفهومه في ( المؤتمر الأول للمحتوى الرقمي العربي ) في عام 2018 بأنه هو كلُّ مَا يوضع على الشّابكة أو المَواقعِ الإلكترونيّة، من صورٍ ووثائقَ وَنِتاجٍ فَني أَدبي وَفِكري ( ومواقعَ أثريةٍ وَكلِّ الإرثِ الثّقافيِّ والتاريخيِّ والمعاصِر ) الموضوعِ بِنُسَخ رَقْميّة، وعلى مُحركات البحث، بما يُسَرِّع في انتقالِ المعلومة وَيُغنيها وَيُيَسِّرُ سُبُلَ وُصولِها لِلمُتلقّي.
وأوضحتِ في المؤتمر أن هذا المشروع لاقى جملة من الصّعوبات اللّوجِستيّة من ( الكوادرِ البشريَّة ) والإمكاناتِ التِّقنيّة.
فمن هي الكوادر البشرية القادرة على التصدي لمثل هذه الأعمال أكثر من أبطالها الحقيقيين خريجي التاريخ وعلم الآثار المهملين المهمّشين ..؟!
الحل والربط اليوم قد غدا بيدك .. والقرار لك .. وإن كنّا مخطئين في ذلك فلاشك بأنك قادرة على دعم هذا الاتجاه والدفع به نحو التحريك ليكون مجسداً على الأرض .. وسنبقى على أملٍ منتظرين.
المصدر:
http://syriasteps.net/index.php?d=134&id=184213