سيريا ستيبس – علي محمود جديد
خلال هذه السنوات العشر السوداء على بلادنا جراء هذه الأزمة التي نعيشها إلى اليوم والناجمة عن الحرب الشعواء التي تُشنّ على سورية من أشرس وأقبح قوى الظلم والظلام في الكون، تعرضت آثارنا التي تحكي عن حضارات عريقة، وعن أهمية هذه البلاد الغارقة في القدم، وكيف كان لها منعكسات هامة وبصمات بليغة على تكوين تاريخ عريق لم يقتصر على هذه المنطقة بل تدفقت إشعاعاته إلى مناطق كثيرة من العالم في آسيا وافريقيا وأوروبا.
هذه الكنوز الأثرية تعرّضت بكل أسف خلال هذه السنوات العشر السوداء إلى الكثير من النهب والتخريب والسرقة من قبل المجموعات الإرهابية المسلحة بتخطيط وتدبير وتنسيق مع تلك القوى العدوانية البغيضة، حتى صرنا نسمع أن الآثار السورية صارت تباع وتشرى ولها أسواقها في كثير من دول العالم..!
ضبط آثار كثيرة كانت معدّة للتهريب
وهنا في الداخل استطاع الجيش العربي السوري والقوى الأمنية أن تضبط الكثير من الآثار السورية التي كانت معدّة للتهريب في أراضٍ بأماكن الصراع، وقد فوّت تحرير تلك الأراضي على الإرهابيين فرصة تهريبها غير أنهم عاثوا فساداً بالكثير من المواقع الأثرية، سواء في مملكة تدمر، أو مملكة ماري، أو في أفاميا وعفرين، ومختلف المدن المنسية الرائعة في جبل الزاوية والمنتشرة في عموم محافظة إدلب، وكذلك في درعا، حيث تابع الكثيرون كيف عثرت الأجهزة الأمنية في محافظة درعا في شهر أيار الماضي على مئات القطع الأثرية التي كانت مُعدة للتهريب خارج القطر والتي نهبتها العصابات الإرهابية المسلحة من المواقع الأثرية في المحافظة.
وأوضحت المديرية العامة للآثار والمتاحف في حينها أن تلك القطع تتضمن 213 إناءً فخارياً من مختلف الأحجام و 174 إناءً زجاجياً متنوعاً ومئات النقود البرونزية وغيرها من القطع التي يعود تاريخها إلى العصور البرونزية القديمة وكذلك العصور الرومانية والبيزنطية. وقد تم تسليم القطع المذكورة إلى مديرية آثار درعا لحفظها وتوثيقها وإجراء اللازم بشأنها.
استنزاف ونهب التراث الثقافي السوري
وقالت مديرية الآثار والمتاحف إن الأجهزة الأمنية كانت قد صادرت خلال الفترة السابقة آلاف القطع الأثرية من مختلف أنحاء محافظة درعا ناتجة عن التنقيبات غير الشرعية ونهب المواقع الأثرية فيها. واعتبرت أن هذا مؤشر خطير على حجم الاستنزاف والنهب الذي تعرض له التراث الثقافي السوري في مناطق محافظة درعا التي خرجت عن سلطة الدولة.
أضرار كبيرة لموقع مملكة ماري
وكانت المديرية العامة للآثار والمتاحف قد كشفت قبل ذلك عن تعرض عدد من المواقع الأثرية في دير الزور ومن بينها موقع ماري في تل الحريري لأضرار كبيرة جراء اعتداءات التنظيمات الإرهابية التكفيرية.
وأوضحت المديرية أن كوادر من الآثاريين المختصين العاملين في المديرية العامة للأثار والمتاحف قامت بإجراء تقييم أولي للأضرار بمواقع في ريف دير الزور الشرقي الذي طهره الجيش العربي السوري من دنس الإرهاب حيث تبين وقوع دمار كبير على الأبنية الأثرية في موقع ماري ومنها قصر زمري ليم وتدمير السقف الذي بني لحمايته من العوامل الطبيعية إضافة إلى أعمال تنقيب غير شرعي في كل أرجاء الموقع على يد الإرهابيين.
وكانت صور فضائية التقطتها أقمار اصطناعية في عام 2014 أظهرت الضرر الواسع النطاق الذي لحق بالمواقع الأثرية في دير الزور ومنها ماري، والتخريب الممنهج الذي تعرضت له وتدمير سوياتها الأثرية التي لها أهمية بالغة في فهم التطورات التاريخية لهذه المواقع .
وأظهرت التقارير الصادرة عن اللجان التي شكلتها مديرية الاثار أن موقع ماري تعرض الى كثير من الاضرار على ايدي المجموعات الارهابية ضمن سلسلة اعتداءاتها على المواقع الأثرية ومواقع التراث .
وقد تبين للجنة التقييم خلال عمليات المسح الأولي أن قصر زمري ليم العائد للألف الثاني قبل الميلاد مدمر بشكل كبير، كما لاحظت اللجنة وجود الكثير من التنقيبات غير الشرعية والحفر المنتشرة في كل ارجاء الموقع ضمن سعي المجموعات الإرهابية لتدمير الذاكرة الحضارية السورية التي تكشف الكثير عن تاريخ المنطقة.
اعتداءات داعش على الآثار
تتوافق مع جرائم النظام التركي في عفرين
هذه الاعتداءات الإرهابية تأتي ضمن النهج التخريبي الذي اعتمدته التنظيمات التكفيرية ومن بينها تنظيم داعش الإرهابي بحق آثارنا وهو يتوافق مع ما أقدم عليه النظام التركي إثر عدوانه على عفرين وتدمير العديد من المواقع الأثرية ومنها معبد عين دارة وموقع براد الذي يضم ضريح القديس مار مارون.
الآثار والمتاحف بيّنت أن التقارير الصادرة عن اللجان التي شكلتها مديرية الاثار، أظهرت أن موقع ماري تعرض الى كثير من الاضرار على ايدي المجموعات الارهابية ضمن سلسلة اعتداءاتها على المواقع الأثرية والتراث السوري، كما تبيّن للجنة التقييم خلال عمليات المسح الأولي أنه بالإضافة إلى ما حصل لقصر زمري ليم فإن هناك الكثير من التنقيبات غير الشرعية والحفر المنتشرة في كل ارجاء الموقع ضمن سعي المجموعات الإرهابية لتدمير الذاكرة الحضارية السورية التي تكشف الكثير عن تاريخ المنطقة.
والجدير بالذكر أن مدينة ماري كانت عاصمة لمملكة كبيرة عرفت منذ منتصف الألف الثالث قبل الميلاد، واكتشفت البعثات الوطنية والأجنبية التي عملت في الموقع الحالي للمملكة الكثير من الأبنية والتماثيل والكنوز الأثرية علاوة على الارشيف الملكي الذي وجد في قصر زمري ليم وتألف من ألف رقيم طيني كتبت باللغة الاكادية اعادت كتابة تاريخ المشرق العربي من جديد.
التنقيب عن مجرمي الآثار
في غضون ذلك تستمر الجهات المختصة بالبحث والتنقيب عن المجرمين الذين أقدموا على هذه الأعمال التخريبية، والذين قاموا بتهريب الآثار والاتجار بها، وفي هذا الإطار أصدرت محكمة الجنايات الثالثة بدمشق مؤخراً ثلاثة أحكام بحق ثلاثة أشخاص ثبت للمحكمة إقدام اثنين منهم على الاتجار بالآثار، فيما أثبت أن الثالث أقدم على التدخل بالاتجار بالآثار.
وفي التفاصيل فقد أصدرت محكمة الجنايات الثالثة في دمشق حكمها على المدعو ( غ . ن . عطايا ) تولد عام / 1972 / ومقيم في دمشق – الزبداني – عين الفيجة، حيث أثبت لها إقدامه على الاتجار بالآثار، فصدر الحكم عملاً بقانون العقوبات بمعاقبته بالأشغال الشاقة خمس سنوات، وغرامة 25 ألف ليرة سورية، بالإضافة إلى حجره وتجريده مدنياً، وتضمينه الرسم والمجهود الحربي.
كما أصدرت محكمة الجنايات الثالثة حكماً ثانياً على المدعو ( ع . ح . صافية ) تولد 1982 – ومقيم في حماه – السلمية، إذ ثبت للمحكمة إقدام المحكوم المذكور على التدخّل بالاتجار بالآثار، فصدر الحكم عملاً بقانون العقوبات بمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة سنتين ونصف السنة وغرامة / 12 / ألف و / 500 / ليرة سورية، وحجره وتجريده مدنياً، وتضمينه الرسم والمجهود الحربي.
أما الحكم الثالث فكان بحق المدعو ( ت . ع . مشمش ) تولد 1971 ومقيم في دمشق الزبداني وأيضاً عين الفيجة، حيث ثبت للمحكمة إقدامه على الاتجار بالآثار، فصدر الحكم عملاً بقانون العقوبات بمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات، وغرامة 25 ألف ليرة سورية، بالإضافة إلى حجره وتجريده مدنياً، وتضمين العقوبة أيضاً الرسم والمجهود الحربي.
وأشارت المحكمة في هذه الأحكام الثلاثة الصادرة بأن هؤلاء المحكومين الثلاثة ما يزالون فارّين، فتقرر حجز أموالهم وأملاكهم، وإسقاطهم من الحقوق المدنية، عملاً بالمادة ( 329 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
أخيــــراً
عبثاً يحاول الأعداء طمس هويتنا السورية العريقة، وإلغاء تلك الحضارات الذهبية ليس من ذاكرتنا وحسب، بل ومن ذاكرة التاريخ كله، غير أن الفيض الحضاري لسورية سيبقى أكبر بكثير من كل تطلعاتهم وأهدافهم، ولن تتمكّن عقولهم المتعفّنة المتخلفة، ولن تكون قادرة مهما بلغت ومهما ابتكرت من طرائق الإجرام أن تلغي تلك الأنوار البهيّة لحضارات أشدّ وأبقى من إجرامهم ومن زيف تطلعاتهم المنحدرة إلى ما تحت مستوى القاع بكثير .
المصدر:
http://syriasteps.net/index.php?d=134&id=185385