وتتسابق الدول عادة على تسجيل تراثها الثقافي في هذه اللائحة لتمكين أكبر قدر ممكن من الحماية لهذه المعالم، وإن كان التقصير خلال الحرب قد طال الحفاظ على المدينة القديمة من خلال تهديد البنية العمرانية لها بأشكال متعددة فقد وصل الآن إلى ظواهر خطيرة ينبغي التوقف عندها. هذا وقد طال التدمير عدة مواقع في دمشق القديمة أثناء الحرب منها فسيفساء الجامع الأموي وسوق العصرونية الذي تعرض لحريق كبير والقلعة والمدرسة العادلية وأجزاء من النسيج العمراني المدني بما فيه من منشآت ومنازل تاريخية.
وقد توقفت تقارير اليونسكو عند حالة الحفظ
السيئة التي تطال مدينة دمشق القديمة وتقنيات الترميم غير الملائمة ،وعدم
وجود منطقة حماية، وعدم وجود خطة حماية، ومشاريع "التطوير العمراني" التي
تهدد النسيج التاريخي المتميز لدمشق.
ويبدو أن مشكلة عدم وجود منطقة
حماية أي منطقة تحيط بالمنطقة اللبية للمدينة التي تطالها الإجراءات
الأشد، كان مشكلة منذ بداية تجهيز ملف حماية المدينة منذ نهايات السبعينات
من القرن الماضي، ولا نغالي القول إن أشرنا إلى دور تجار العقارات
والفاسدين مذ ذاك.
فالبنية المعمارية لأي مدينة هي استمرار بصري نسيجي لا يمكن أن يتم قطع مشاهده بخط على الخريطة يمثله السور.
وليس عمليات تعرية السور التي أجريت إلا
جزءاً مدروساً من سياق عملية العزل المتعمد للمدينة داخل السور عن سياقها
المشهدي المعماري البصري.
وضمن مسيرة تشويهية بصرياً متكاملة في
مفرداتها، بدأ التعدي قبل حوالي السنوات العشر بحجة تشجيع حماية البيئة من
خلال التدوير بزرع نباتات في عبوات مياه بلاستيكية تم تلوينها بحجة
upcycling أي إعادة التدوير بطريقة أرقى، وتوزيعها على جدران المدينة
القديمة بطريقة شوهت تلك الجدران التي اعتاد أهلوها على وجود النارنج
والياسمين المتدلي عليها دون حاجة إلى عبوات بلاستيكية قبيحة وملوثة.
واستنكر ذلك في حينه الكثير من الحريصين على أصالة المدينة القديمة
والحفاظ على بنيتها التي أهلتها لتكون مدينة محمية بموجب لائحة اليونسكو
للتراث العالمي.
لكن محاولات التشويه لا تنتهي وبأغطية عدة تبدأ بالبيئة وتنتهي بالفن.
ليست ظاهرة الرسم على الجدران في المدن بجديدة بل هي ظاهرة موجودة تاريخيا وقد كانت تجري بالمعنى التاريخي لتجميل الأبنية والمدن.
لكن
تشويه جدران المدينة القديمة (حي التيامنة) بحجة التجميل شيء آخر، حيث
أعطت محافظة دمشق الأذن للشباب بالرسم بشكل عشوائي على جدران مدينة دمشق
القديمة المصنفة ضمن لائحة التراث العالمي المسجل لدى منظمة اليونسكو،
وتنادى الكثير من المهتمون بالآثار والتراث والفن ليستنكروا هذا الفعل.
وبررت محافظة دمشق ذلك بأن هذه المنطقة
خارج السور، وهذا عذر أقبح من ذنب لأنه يذكرنا بالخطأ الأساسي الناجم عن
عدم وجود منطقة حماية والاكتفاء بمنطقة لبية، ويذكرنا بذنب مَن كان السبب
فيها من فاسدين يستمرون في الاستناد إلى إرث من سبقهم ومهد لهم من
فاسدين.
وإن كنا خسرنا العديد من المواقع الأثرية والتاريخية الهامة في
سورية خلال هذه الحرب، فهذا دافع قوي للحفاظ على ما تبقى منها بطريقة
علمية تحترم الإنسان والمكان في السياق التاريخي الهوياتي البصري الصحيح.
إن
عدم السماح بمزيد من التشويه وطمس ملامح المدينة القديمة، وعدم السماح
بترك الأبنية عرضة للانهيار (الذي يجري بطريقة ممنهجة للأسف) هو جزء من
الدفاع عن هويتنا الوطنية.
إن الضغط باتجاه ترميم المدينة القديمة بوسائل تحترم تاريخها وهويتها، ولا تستبدل بنيتها السكانية (التي هي أحرص على هويتها الاجتماعية الاقتصادية بالطبع) هو الطريق الصحيح.