معاً النبك أحلى”.. مغتربون يبادرون لإعادة إعمار بلدهم
25/03/2021



 

سيرياستيبس :

في ظل ظروف الحرب والدمار الذي لحق بالكثير من القطاعات والمنشآت، تحتاج إعادة البناء – بالتأكيد – إلى تكاتف الجميع بسبب عدم قدرة الدولة بمفردها على القيام بهذا الجهد، علاوة على أن الاستهداف والتخريب كانا شاملين والاعتداءات طالت مقدرات شعب بأكمله. لذلك، وكما كان هناك داخل الوطن من لم يبخلوا بالدفاع عنه بأرواحهم ودمائهم وصبرهم ومعاناتهم مقدمين الغالي والرخيص، كان هناك في الخارج مغتربون وطنيون بذلوا ويبذلون جهوداً مميزة في الدعم والمساعدة، بل ولم يتوان الكثيرون منهم عن المساهمة بكل قدراتهم وإمكانياتهم في سبيل بلدهم الجريح. واليوم، وفي ظروف المقاطعة والحصار، تبدو الأمثلة أكثر من معدودة على تطور هذه الظاهرة بالتدريج من مجرد تجارب عابرة في المساندة والدعم الفرديين إلى مستوى العمل الأهلي الهادف والمنظم والمدروس، خاصة وأننا بتنا نلمس نتائج واضحة على الأرض، مع وجود تجارب كثيرة قدمها المجتمع الأهلي في أكثر من محافظة، وكان لها دورها الكبير في إحداث فرق واضح، حيث ظهر هذا الدور بشكل جلي في محافظة حلب خاصة. ولكن ولدى الحديث عن مبادرات المجتمع الأهلي ودور المغتربين لا يمكننا إلا أن نتحدث بإسهاب عن أحد أبرز نماذج مثل هذه المبادرات وهذا الدور، وهو أنموذج ريف دمشق، وعلى الأخص مبادرة “معاً النبك أحلى” في منطقة النبك، باعتباره أنموذجاً رائداً بما استطاع إنجازه من مشاريع استراتيجية في المدينة، وكي نكون منصفين أكثر لابد التذكير أنه يغرف من تقليد تاريخي، وثقافة متواصلة ومستمرة.. تقليد يمارسه أبناء النبك ومغتربوها، وليس بالأمر الطارىء والجديد.

“معاً النبك أحلى”
أحمد سميد ممثّل ومنسق مبادرة “معاً النبك أحلى” تحدث لـ “البعث” عن أهمية المبادرة وظروف تأسيسها التي جاءت تلبية لما نادى به السيد الرئيس بشار الأسد بضرورة إعادة بناء سورية بأيدي أبنائها، حيث تم تشكيل مجلس للمبادرة التي ضمت أكثر من 200 شخصية من أبناء المنطقة المقيمين والمغتربين، وتقديم مبالغ مالية ضخمة من أبناء النبك المعروفين بحبهم للتعاون والعمل الخيري، الأمر الذي يعتبر جزءاً من شخصية ابن النبك، مضيفاً: لا شك أن هذا النوع من المبادرات المتعلقة بالعمل الخيري والأهلي والإنساني لابد أن يُواجه ببعض العراقيل، ما يؤدي في النتيجة إلى نجاح بعضها، وفشل البعض الآخر، وهو أمر طبيعي بسبب وجود بعض المصالح الشخصية، ما جعل عدداً لا بأس به من المغتربين الذين يودون تقديم المساعدة والمساهمة يترددون بسبب غياب الثقة لخوفهم من ذهاب هذه المبالغ لخدمة مصالح خاصة لأشخاص بعينهم، ولكن اليوم، ومع تغير الظروف، وإعادة بناء الثقة بين المغترب ومختلف الأطراف التي غايتها الأساسية تحقيق المنفعة العامة للمواطن، بتنا نتلمس نتائج مُرضية وثقة متبادلة بين الأطراف.

وحول المبادرة الحالية، تحدث سميد عن الخدمات التي تقدمها للمواطنين، والتي تشمل كافة المستويات، خدمية وتعليمية، وصحية، تبدأ من توصيل الأدوية وإسطوانات الأوكسجين للمرضى المحتاجين إلى بيوتهم، ما أعطى دفعاً كبيراً وحماساً لجميع المبادرين للاستمرار، لتنتهي بالتعاون مع البلدية وشعبة الحزب، إضافة إلى ما أُنجز من إصلاح آليات البلدية بشكل كامل، ومن ثم قيام عدد من المغتربين بالتبرع بآليات إضافية للبلدية، وتنظيف الجبل الشرقي المؤدي لدير موسى الحبشي، المعلم الأثري والديني المهم، وتجهيز الأرضية المناسبة أقلَّه لصعوبة وحاجة هذا المشروع لإمكانيات كبيرة، أضف إلى ذلك قيام أحد أبناء المنطقة المغتربين بالتبرع لإرسال 3 ضاغطات، و70 حاوية. وانطلاقاً من الإحساس والملامسة للوضع الاقتصادي الصعب، وتشجيعاً على الاستمرار في العمل، يتم تقديم مكافآت شهرية مجزية لعمال الفرن، ولعمال البلدية، والمساهمة بتزفيت الطرقات من خلال التبرع مبدئياً بمبلغ 250 مليون ليرة سورية من مغتربي المنطقة نتيجة لتوقف العديد من المشاريع التي لم تتمكن الجهات الرسمية من إكمالها، وتحمّل لكل المبالغ الإضافية المترتبة. أما من الناحية التعليمية فقد عمل القيمون على المبادرة على إقامة دورات تعليمية للطلاب الذين يعانون من أوضاع مادية صعبة من شهادتي التعليم الأساسي والثانوي، وتقديم مساعدات مادية للكادر التعليمي في المنطقة، ليصل المبلغ الإجمالي الذي تم تقديمه لغاية اليوم ومنذ شهرين لحوالي 450 مليون ليرة، وهو أمر مستمر بحماس من قبل الجميع، لطالما كانت هناك سلاسة وإزالة للعقبات. كما أكد سميد إصرار الجميع على الاستمرار برعاية هذه المبادرة، بدعم كبير من شخصيات وعائلات لها تاريخها في العمل الخيري، عائلات قدمت الكثير للوطن، وليس لمنطقة النبك فقط، تعبيراً عن إحساس عال بالمواطنة والمسؤولية، كالعائلة التي قامت بترميم قسم أمراض الأورام المخصص للأطفال في مشفى البيروني.

تقليد تاريخي وثقافة متوارثة!!
الدكتور إبراهيم العرسالي، مدير عام هيئة مشافي القلمون، وبصفته أحد ممثّلي المبادرة، تحدث عن أهمية العمل الشعبي المميز الذي يعتبر أنموذجاً يحتذى به، وهو عمل لم يكن وليد الأزمة، وإنما هو تشاركي، ورثه أبناء المنطقة أباً عن جد، وهذا ما يضفي على المبادرة طابعاً مميزاً، إضافة إلى نقطة مهمة جداً وهي قِدم العمل الشعبي، وتعاونه مع الجهات الحكومية، وربما أوضح مثال على تعاون أبناء المنطقة ومبادراتهم مشفى النبك الذي تأسس عام 1920، الأمر الذي يؤكد على الرؤية الحضارية المتقدمة لأبناء المنطقة، حيث تم تأسيس المشفى عن طريق لجنة تبشيرية، ليتجاوز أبناء المنطقة المفهوم الديني الذي تم تأسيس المشفى على أساسه، ولينطلقوا من زاوية إنسانية وصحية بحتة، لتُقدم فيما بعد الأرض للبناء، مع كافة التسهيلات لإنجاز هذا المشروع، علماً أن الشائع في تلك الفترة الزمنية، عند الكثير من المواطنين في مناطق مختلفة، رفضهم وجود ما يسمى “خزستخانة” لوجود الجراثيم، ولخوفهم من دخول مثل تلك الأماكن، ما يعكس بالفعل الرؤية الحضارية المختلفة والمتقدمة لأهل المنطقة في ذلك الوقت، وليصبح المشفى اليوم بمثابة العين الصحية الساهرة على الاوتستراد الدولي لما يقدمه من خدمات لا تقتصر على أبناء المنطقة، بل تشمل المسافرين، مضيفاً بأن هذا التعاون بين المواطن ومؤسسات الدولة يجعل منه شريكاً ورقيباً في الوقت نفسه، من دون أن نغفل الدعم والاهتمام اللذين تلقاهما هذه المبادرات من القوى الأمنية في المنطقة، ما يعتبر عاملاً إضافياً مهماً لنجاح أية مبادرة، وفي نهاية حديثه يؤكد العرسالي على أن العلاقة الوطيدة التي تربط المغترب ببلده الأم مميزة، ما يجعل المغترب، مهما طالت مدة غيابه عن وطنه، غريباً في البلد الذي غادر إليه، وجل اهتمامه منصب بالسعي الدائم للبحث عن أفضل الطرق لتقديم الدعم لوطنه.

تشبيك مع كل الأطراف
رئيس بلدية النبك الدكتور وسام طالب أكد على الدور الذي يقوم به مجلس مدينة النبك، والذي يشمل كل القطاعات الموجودة ضمن نطاق عمله، مشدداً على تفعيل العمل مع الجميع للوصول إلى أفضل أداء ممكن، ليأتي العمل الشعبي وفق أسس وتنسيق مع مجلس المدينة، وهذا ما كان مع مبادرة “معاً النبك أحلى” التي تم من خلالها توحيد كل الجهود ومختلف المبادرات السابقة ضمن مبادرة واحدة، وتوحيد الأنشطة المتفرقة التي غالباً لا تظهر نتائجها بالشكل المطلوب، لتشارك المحافظة أيضاً من باب دعم عملهم وجهودهم بتخصيص كمية من الزفت لصيانة مداخل النبك كمساهمة إضافية منها، مضيفاً: نأمل خلال الفترة القادمة أن تظهر نتائج هذا العمل بشكل أوضح، علماً أننا بدأنا نلمس نتائج إيجابية رغم الفترة الزمنية القصيرة بفضل دعم الجميع، وعلى رأسهم المغتربون، والتنسيق الكبير بين الجميع، والصدق في النوايا، ونكران الذات، والرغبة القوية الذي أظهرها ويظهرها الجميع بالتعاون مع مجلس المدينة لتحسين واقع المدينة للاستمرار بهذا التقليد التاريخي الموجود مسبقاً، وظهوره بقوة في هذه الفترة.

قوننة العمل 
يشكل تناول مثل هذه المبادرات فرصة للدعوة لتشجيعها والشد على أيديها، وتنظيم عملها وتبنيه رسمياً وقوننته وفق أسس واضحة، والاستفادة منه بأقصى ما يمكن، وحمايته من المتطفلين وعدم تجييره لحسابات أخرى قد تكون شخصية، مع التأكيد على أنها تجارب جديرة بالاقتداء في ظل ما حققته وتحققه على صعيد المساهمة بإعادة الإعمار وتخفيف الأعباء عن الجهات الرسمية وخدمة الوطن.

لينا عدرة 



المصدر:
http://syriasteps.net/index.php?d=207&id=187031

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc