سيرياستيبس :
في وقت يدخل العالم تدريجاً حقبة «الثورة الصناعية الرابعة» مع كل ما تحمله من اختراق شامل للتكنولوجيا في حياة البشر اليومية، أعادت الأزمة الاقتصاديّة والنقديّة اللبنانيين إلى ما قبل الثورة الصناعية الأولى، حيث لا كهرباء، وحيث احتمال الاتكال على الحمير والأحصنة للتنقل، وحيث أنشطة الحياة بطيئة وتجري أغلبها خلال النهار فقط... باختصار، مع تفاقم الأزمة يتحوّل الاقتصاد بدائياً ويخلق حكماً «وظائف» بدائية تواكبه
يحرص
«أولاد الكار» من «اختصاصيي الطوابير» على التكتم على هوياتهم وعلى «سر
المهنة». علي، واحد من الشباب الذي يصف نفسه بأنه «متفرغ فقط للصيدليات
والأدوية ولا شأن لي بطوابير البنزين وغيرها». يؤكد أن دافعه «إنساني. لا
أعمل للاسترزاق بقدر ما يهمني أن أسعف الناس المحتاجة. أخاف الله ولا يمكن
أن أكسب من مريض. لذلك لا أضع أي تسعيرة معيّنة، وأتكل على ذوق الناس
والإكراميات التي يتبرعون بها تقديراً لتعبي».
اشتداد أزمة الدواء،
أخيراً، أجبرت اختصاصي التفتيش عن أدوية» على التوقف عن «العمل»، مع إغلاق
كثير من الصيدليات وانقطاع الأدوية بشكل كبير، فـ«الكلفة أصبحت أكبر من
المردود. أسكن في بيروت وكنت أصل أحياناً إلى أبعد من جونية بحثاً عن
أدوية، وفي غالبية الأوقات لم أكن أوفّق. المجهود الجسدي مرهق جداً، إضافة
إلى تكاليف التنقل والاتصالات لأبقى على تواصل مع الزبائن». أعداد الذين
يقصدونه طلباً لخدماته «لا تحصى. ولا أبالغ إن قلت أنني كنت أتلقى مئات
الاتصالات يومياً. من كنت أخدمهم كانوا يرسلون رقمي إلى أقاربهم وأصدقائهم،
إلى درجة أنني اضطررت إلى الاستعانة بأصدقائي ومعارفي من الشباب لمساعدتي
من خلال تقسيم المناطق على كل منا تسهيلاً للعمل»، لافتاً إلى أن حليب
الأطفال كان على رأس الطلبات، وبعض العائلات كانت ترجونا البحث مهما كلف
الأمر».
في هذا السياق، يلفت «عاملون» في هذا «الكار» إلى «تواطؤ بين
بعض الشبان وبعض أصحاب الصيدليات. أصبح الأمر أشبه بشبكة متكاملة الجميع
يكسب فيها: المواطن يحصل على الدواء أو الحليب، ونحن نحصل على إكراميات
دسمة جداً في أغلب الأوقات، والصيدلي يسعّر على هواه مستغلاً الوضع»!
خلقت الطوابير «اقتصاداً» موازياً يستقطب آلاف الشباب العاطلين من العمل
طوابير
محطات المحروقات، من جهتها، «اقتصاد» قائم بذاته يستفيد منه كثيرون من
«بائعي الخدمات» وعمّال المحطات... وضحيته الوحيدة المواطن العادي. بعض
الشبان يتقاضون بين 50 ألف ليرة و100 ألف، بحسب حدّة الأزمة، مقابل تسلم
السيارة من صاحبها والانتظار في الطابور بدلاً منه ثم إعادتها اليه، فيما
طوّر آخرون «أعمالهم» مقابل أرباح أكبر. يشرح حسن أنه ورفاقه «نركن
سياراتنا وسيارات أصدقائنا وأفراد العائلة ليلاً أمام محطات المحروقات
لنؤمن المكان، ونعود في الصباح الباكر لتعبئتها، ومن ثم نستخرج البنزين
منها ونبيعه بالغالونات. يكلفنا الغالون حوالى 20 ألف ليرة ونبيعه بما
يراوح بين 60 ألف ليرة و80 ألفاً، وأحياناً أكثر من ذلك، بحسب الزبون ومدى
حاجته وإمكانياته». ويلفت إلى أن كثيرين «يرضون ولا يناقشون، باعتبار أن
الكلفة مهما ارتفعت تبقى أفضل من البهدلة والشرشحة والانقطاع من البنزين».
ويشير إلى أن «الأعمال ازدهرت إلى حدّ أصبحنا نوظف شباناً لمساعدتنا مقابل
بدل يومي، ما يساعدنا على توسعة رقعة عملنا وتلبية أكبر قدر ممكن من
الزبائن». ويقرّ بأن «عمل كهذا لا يمشي إذا لم تكرم عمال المحطات. غالبيتهم
تدهورت رواتبهم ويستفيدون من الوضع لتعويض الفرق. ندفع لهم مقابل كل
سيارة. وأساساً هم يقبضون من الجميع. حتى من ينتظر في الطابور لتعبئة
سيارته بنفسه يدفع لهم لتيسير أموره».
أعمال «اختصاصيي النطرة» تشمل
أيضاً طوابير المعاينة الميكانيكية؛ إذ إن هناك من يتسلم السيارة مقابل 100
ألف ليرة، وينتظر منذ الرابعة فجراً على أبواب «الميكانيك» من أجل إخضاع
السيارة للمعاينة. هنا، أيضاً، طوّر البعض «أعماله»، فيستعين بشبان عاطلين
من العمل مقابل 50 ألف ليرة من أجل خدمة عدد أكبر من الزبائن. وهناك أيضاً
من يبيعون «الدور»، إذ يركنون سياراتهم في طابور المعاينة ويبيعون
«مطارحهم» لمن يرغب، ويستطيع دفع البدل الذي يصل إلى 100 ألف ليرة.
المصدر:
http://syriasteps.net/index.php?d=136&id=188047