هل تتمكن محروقات بأسلوب التوزيع الجديد لمازوت التدفئة أن تتلافى مأزق الحرمان
لقد آنَ للرؤوس الكبيرة التي تُدير السوق السوداء أن تتكسّر وتختفي



سيرة السوريين.. والمازوت | زمان الوصل

هل تتمكن محروقات بأسلوب التوزيع الجديد لمازوت التدفئة أن تتلافى مأزق الحرمان وتوقف لسعات البرد هذا العام ..؟

 

لن يندفع المسؤولون لحل مشاكل الناس بصدقٍ وجدية إن لم يعانوا كما يعانون وبسوية واحدة

 

لقد آنَ للرؤوس الكبيرة التي تُدير السوق السوداء أن تتكسّر وتختفي

 

سيريا ستيبس – علي محمود جديد

تحاول شركة محروقات الخروج من المأزق الذي وقعت فيه خلال العام الماضي، كما ووقع فيه أيضاً نحو نصف المجتمع السوري، والمتمثّل بقدوم الشتاء بلسعاته القاسية بكل برودة قلب، ورحيله بمنتهى برودة الدم، دون أن يحصل ذلك النصف من المجتمع على مخصصاته من مادة مازوت التدفئة، فكان شتاءً قاسياً وقارساً قارصاً بكفاءةٍ عالية.

القصة تحملُ بين طيّاتها الكثير من الوضوح، ولكن في طيّاتٍ أخرى حملت أيضاً الكثير من الضبابية والغموض، وبمقدار ما كان الجانب الواضح كفيلاً بتهدئة نفوس الناس واستيعابهم لما يحصل، كان الجانب الضبابي مثيراً للاستهجان والهيجان، لدرجة أنه تمكّن ولدرجةٍ عالية من إفساد تلك التهدئة، وكادت أن تتحوّل بالمجمل – إن لم تكن قد تحوّلت فعلاً – إلى غضبٍ عارم صُبَّ جامة على أداء شركة محروقات، واستطال لينال حتى من الأداء الحكومي بأكمله، والتشكيك بالنوايا المرسومة والمبيّتة لذلك الأداء.

الجانب الواضح :

تجلّى هذا الجانب الواضح بثلاث مسائل أساسية بات الشعب السوري يحفظها عن ظهر قلب .

الأولى :

 هي موضوع العقوبات الجائرة المفروضة علينا من قبل أعدائنا وأعداء الإنسانية فعلاً، وعلى الرغم من وحشيتها وقذارتها فإنهم يطلقونها مُعنونة بالحرص على حقوق الإنسان، فهم يمنعون عنّا كل شيء .. الغذاء والدواء ووسائل الإنتاج بعد أن صار العالم قرية واحده، وبات مرتبطاً ومتشابكاً مع بعضه البعض، غير أنهم يريدون عزلنا عن هذا العالم، كي نموت أو نستسلم لإرادتهم والتي تعني بالنهاية التخلي عن كراماتنا وسيادة بلداننا والرضوخ للمآرب الصهيونية ونسيان أراضينا المحتلة، وعندها تنتهي العقوبات لنكون قد وقعنا بشرّ أعمالنا وفقدنا عزّتنا وسيادتنا على أرضنا وكرامتنا واستقلالنا، وصرنا مجرّد تابعين على هامش الحياة والتاريخ بلا لونٍ ولا طعم ليسيدوا ويميدوا كيفما يحلو لهم، غير أن جينات المقاومة والصمود التي نتحلّى بها – مهما سخر منها البعضُ في هذه الأيام – تمنعنا بكل تأكيد من أن نضع أنفسنا أجراء تافهين لا قيمة لنا ولا رأي ولا قرار بشؤون حياتنا وحاضرنا ومستقبلنا.

الثانية :

هي موضوع الحصار الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية علينا من خلال قانون معاقبة سورية أولاً .. وقانون قيصر لاحقاً، وكأننا مقاطعة أمريكية تريد أن تفرض علينا أنظمتها وقوانينها، وتريد من وراء ذلك أن نكون عبيداً لأمزجتها العدوانية المجرمة، فصارت تُلاحق وتُقرصنُ ناقلات النفط القادمة إلى سورية في أعالي البحار، وتعرقل مختلف الشحنات النفطية وغير النفطية، فلا يوجد أي تأخير في وصول النفط إلاّ من العلّة الأمريكية بذلك الطوق أو من ارتداداته وآثاره.

الثالثة :

الدمار والتخريب الشنيع الذي تعرّض له قطاع النفط خلال سنوات الحرب بفعل المجموعات الإرهابية المسلحة، حيث كان وزير النفط المهندس بسام طعمة قد أوضح في وقت سابق أمام مجلس الشعب أن مجمل تلك الخسائر قد وصلت إلى أكثر من / 91 / مليار دولار، فتخيلوا هذا الرقم المرعب الذي يوازي اليوم أكثر من / 37 / ضعفاً لحجم الموازنة العامة للدولة هذا العام والبالغ / 8 / تريليون ليرة ..!

والمصيبة أنه بعد هذا الدمار كله لم تكتفِ الولايات المتحدة بما حصل من قبل جيشها الجديد المُصنّع على شكل إرهابيين، فقد خشيت أن تستفيد سورية من بقايا النفط والغاز في أراضيها فقامت باحتلالها وأمعنت في نهبها ولا تزال.

هذه المسائل الثلاث باتت مفهومة عند السوريين وواضحة، وهي قضايا نكاد نجزم أنها مُقدّرة جيداً عند كل من يدركها، فما الذي يُثير الاستهجان والهيجان ..؟!

الجانب الضبابي :

الذي أثار غضب الناس ونقمتهم على الأداء الحكومي رغم إدراكهم ووعيهم التام لتلك المسائل الثلاث .. قضايا ثلاثٍ أخرى كوّنت ذلك الجانب السلبي الغامض والضبابي، وهي التي تكفّلت بذلك الغضب وإزكائه بشكلٍ مستمر، وعدم النظر بعين الجدية والتقدير اللازم إلى ارتدادات العقوبات والحصار ونهب النفط والغاز، لاسيما وأن تلك القضايا يمكن تلافيها وحسم أمرها من الداخل، ولا علاقة لأي أثر خارجي عليها.

القضية الأولى :

تمثلت بعدم توفيق شركة محروقات في منهجية توزيع مازوت التدفئة، فبعض العائلات أخذت 200 ليتر عن السنة الماضية، والبعض الآخر كان نصيبه 100 ليتر بعد تغيّرات طارئة في التوريدات، بينما لم يحصل الكثيرون على أي شيء من المخصصات.

وزير النفط والثروة المعدنية كان صريحاً بتوضيح هذا الأمر، حيث أشار وأمام مجلس الشعب أيضاً إلى أن أكثر من 2،2 مليون عائلة سورية لم تستلم مخصصاتها من مازوت التدفئة هذا العام أي 60 بالمئة، مبيناً وجود عجز في مادة المازوت بأكثر من 429 ألف طن لم تصل بسبب العقوبات، وقال: “لو وصلت لحصلت كل عائلة على 140 لتراً”!

وأشار وير النفط الى ان الظلم الأكبر في توزيع مازوت التدفئة كان في المحافظات الكبيرة، مثلاً في دمشق 20 بالمئة فقط من الأسر استفادت من المازوت وفي ريفها 26 بالمئة وفي حلب 18 بالمئة بينما في السويداء بلغت نسبة التوزيع 93 بالمئة والسبب هو أن في المحافظات الكبيرة تجري معالجة موضوعات أخرى على حساب التدفئة مثل النقل والصناعة، بينما في المحافظات الصغيرة ظل المحافظون يوزعون النسبة المحددة لكل محافظة.

شركة محروقات تلمّست هذا الوضع جيداً، ووضعت خطة جديدة للتوزيع ستكون مريحة جداً إن وفّقت هذه المرة في تطبيقها وهي عدم إعطاء المخصصات دفعة واحدة، بل تقسيمها إلى أربع دفعات وهي 50 ليتراً في كل دفعة وصولاً إلى 200 ليتر لكل أسرة، وقد بدأت منذ أيام عمليات تسجيل الطلبات عبر البطاقة الذكية على الدفعة الأولى.

القضية الثانية :

القضية الثانية التي أثارت غضب الناس وامتعاضهم، وإحساسهم بعدم الاكتراث، هو شعورهم بأن أي مسؤول – حتى من الدرجة العاشرة – لم ينقصه أي كمية طوال الشتاء مما يريده من مازوت التدفئة، ففي الوقت الذي ينعم فيه المسؤولون في مكاتبهم ومنازلهم بالدفء والسكنية، فإن أغلب الناس يعانون وجع البرد وقساوته، وقد سمعنا الكثيرين يقولون مستهجنين : هل يعاني أي مسؤول من البرد كما نعاني ..؟ لو أنهم يعانون مثلنا لتحملنا معهم أكثر منهم، وبدا المسؤولون بحالةٍ عكسية، فبدلاً من أن يبذلوا جهودهم لتأمين احتياجات الناس أولاً، تركوا اهتماماتهم بالناس وذهبوا بقوة باتجاه تأمين احتياجاتهم هم، واحتياجات النافذين إليهم.

القضية الثالثة :

هي أكثر القضايا غموضاً وضبابية، وتتمثّل بالسوق السوداء للمازوت، ففي الوقت الذي لم تحصل فيه ملايين العائلات على مخصصاتها من مازوت التدفئة بسبب النقص الناجم عن عدم وصول التوريدات بسبب العقوبات، فإن بحراً من المازوت لا قرار له تتخبط أمواجه في رحاب السوق السوداء، فكيف سيتمكن أي مواطن من التصديق بأن الدولة بأكملها وبأجهزتها وأذرعها غير قادرة على ضبط هذه السوق السوداء والقضاء عليها بأي ثمن .. على الأقل لأننا نعيش مثل هذه الظروف الطارئة ..؟!

لانكشف سرّاً إن قلنا بأن الناس ذهبت بعيداً – ومعها حق – بتحميل المسؤولين والجهات المختصة الكثير من الموبقات، لدرجة أن سيول الاتهامات راحت تهدر في المسامع بأن المسؤولين أنفسهم هم الذين يغذون هذه السوق السوداء بالمازوت، مستسهلين حقوق العائلات ومخصصاتهم، لأن أوجاع برد الناس من الواضح جداً أنها لا تعنيهم، ولا تشكل أي بندٍ صغير في حساباتهم.

وما الحل ..؟

الحل من الداخل ببساطة لن يكون إلاّ بإجراءات حكومية حازمة وجازمة قادرة على إعادة النظر بسياسة التوزيع، ووضع آليّة كي يتعامل الجميع – مسؤولين ومواطنين – بسوية واحدة، والقضاء التام على السوق السوداء.

أما بشأن إعادة النظر بسياسة التوزيع فيبدو أن شركة محروقات قد بادرت إلى ذلك فعلاً، وتمكنت من الاستفادة مما حصل في العام الماضي من خلال هذا التقسيم الربعي للمخصصات والتي من المفترض أن تصل للمواطنين تدريجياً وبالتقسيط، وهذا الأمر يسهّل على المواطنين أيضاً عملية الشراء، فهكذا أفضل بكثير من دفع قيمة المخصصات دفعة واحدة.

وشركة محروقات قادرة دون شك على إنجاح هذه العملية، لأن لديها من القدرات والكوادر والوسائل التي تؤهلها لمثل هذا النجاح الذي سيكون جيداً على الأرجح إن لم يحصل تلاعب في هذا النمط من التوزيع.

وبشأن معاملة المسؤولين والنافذين إليهم، كمعاملة المواطنين فهذه باتت مصيبة في مجتمعنا وصارت مترسّخة في أذهان المسؤولين كثقافة رديئة ليس من السهل تركها، ولكن قراراً واحداً جاداً في هذا المجال ويوضع للتنفيذ بلا مجاملات، سيكون كفيلاً بتسوية مثل هذا الوضع، فما الذي يضير المسؤول إن لامسته المعاناة قليلاً ..؟ على العكس .. فوقتها سيكون عالي الشعور بضرورة بذل جهوده والاندفاع الصادق من أجل حل مشاكله ومشاكل الناس معاً.

أما السوق السوداء فمصيرها يجب أن لا يقل عن القضاء المبرم، وبلا هوادة، والضرب فعلاً بيدٍ من حديد لكل من تسوّل له نفسه الركون بزاويةٍ منها، وعندما يلاحظ ويوقن روّاد السوق أن الملاحقة جدية وشاملة بعيداً عن الترقيع والانتقاء فإنها لوحدها ستتلاشى وتختفي، فمهما كبُر رأس هؤلاء فلن تكون إلا رؤوساً جبانة تسارع إلى الانسحاب كي لا تتكسّر. 

 



المصدر:
http://syriasteps.net/index.php?d=136&id=188363

Copyright © 2006 Syria Steps, All rights reserved - Powered by Platinum Inc