قانون البيوع العقارية متهم برفع الآجارات إلى الملايين
27/09/2021
سيرياستيبس :
لم تعد مبالغ مليون ليرة، أو نصف مليون، الملتحقة بنادي المصطلحات التي فقدت بريقها. صادمة حين تُطلب كأجرة سكن لمدة شهر واحد. رغم أن هذه المبالغ احتفظت بميزة صعوبة الحصول عليها حتى اللحظة. وخاصة بالنسبة للموظفين.
ولم تردع الأوضاع المعيشية السيئة في سورية، الكثير من أصحاب العقارات، وتحديداً المنازل من طلب مبالغ أقل ما توصف به أنها فاحشة، معيبة، وحين تحاججهم، تسمع جوابين؛ الأول: (الدولة حددت سعر منزلي بمئات الملايين، فبكم سأوجره؟). والثاني والأكثر انتشاراً: (نحنا كمان بدنا نعيش).. .
البيوع العقارية.. المتهم رقم واحد
دون مقدمات، قفزت آجارات المنازل في كل سورية بشكل غير منطقي خلال العام الحالي. وشملت المدن والضواحي والعشوائيات. فالمنزل الذي كان بمائة ألف شهرياً. قفز إلى ثلاثمائة. أما في مراكز المدن. فأصبحت الأسعار مثاراً للضحك قبل البكاء.
أبو أيمن المقيم في ضاحية قدسيا (مهجّر من مخيم اليرموك). والعامل في مجال العقارات منذ أكثر من أربعين عاماً. يقول إن ما حدث العام الحالي لم يحدث سابقاً أبداً. ولا يوجد أي سبب لارتفاع أسعار الآجارات إلى هذا الحد الفاحش. فسعر الصرف ثابت. والأسعار تقريباً كما هي. الأمر الجديد الوحيد هو قانون البيوع العقارية الذي أربك الجميع. وزاد من صعوبة تنظيم العقود. والتخمين (تحديد السعر الرائج للعقار) الذي كان السبب الأساسي في ارتفاع الآجارات.
ويؤكد أبو أيمن أن الحصول على عقد الملكية. كان منذ أشهر قليلة يستغرق أقل من ساعة. أما اليوم فيلزمه عدة أيام لاستلامه، ولم نفهم لماذا كل هذه التعقيدات. إذ بالإمكان تحصيل حقوق الدولة دون زيادة عذابات الناس. خاصة أن كل إنفاق زائد من قبل صاحب العقار. ولو كان قدره ليرة واحدة، سيتحمله المستأجر.
تخمين غير منطقي
المهندس المعماري عبد البديع الحرستاني. أوضح أنه ومن خلال عمله ومعرفته الجيدة بأسعار غالبية مناطق دمشق. يستطيع التأكيد بأن التخمين يتم بشكل غير منطقي في كثير من الأحيان. حيث هناك الكثير من المناطق التي تم تخمين أسعار العقارات فيها بأكثر مما هي عليه حقيقة. ويرى أن السبب هو رفع الرسوم الواجب دفعها لوزارة المالية في البيع والشراء حسب السعر الرائج الذي حددته الوزارة، لكن تبيّن أن هذا التخمين غير ثابت. ولا أحد يعلم على أي أساس يرتفع أو ينخفض.
ويقول: حدث معي شخصياً أن تم تخمين منزلي في منطقة مشروع دمر بـ 66924000 مليون ليرة. ثم فجأة وبعد أقل من شهرين، تبيّن خلال إجرائي لمعاملة جديدة. أن التخمين انخفض إلى 450450000 مليون ليرة!
ويضيف المهندس حرستاني بأن كثيراً من العاملين في مجالس المدن لم يفهموا قانون البيوع بشكل جيد حتى اللحظة. ما يؤدي إلى حدوث أخطاء كثيرة، أهمها كيفية حساب الضريبة، فالقانون يقول إن الرسوم تكون كالتالي:
السعر الرائج للعقار× 3/1000× عدد الأشهر/12+ 20%+ رسوم البلدية. هذا المبلغ يدفع بحسب عدد أشهر الآجار المتفق عليها. لكن ما يحدث كثيراً هو أنه يتم تقاضي الضريبة عن سنة كاملة حتى لو كانت مدة الآجار أقل. ويختلف حساب الضريبة للمحلات التجارية. لتصبح: السعر الرائج للعقار× 6/1000× عدد الأشهر/12+ 20%+ رسوم البلدية. وبالطبع كل هذا لا يكلف صاحب العقار سوى الجهد العضلي لإنجاز المعاملات. أم الخسائر المادية. فبكل تأكيد يتم تحميلها كاملة للمستأجر.
اسعفيني يا عين
وتبين من خلال البحث أن متوسط الآجارات في بعض المحافظات السورية. وأولها دمشق التي تتراوح الآجارات في ضواحيها التي تبعد عن مركز المدينة حوالي 20 كم بين 350 و 700 ألف ليرة في الشهر الواحد لمنازل دون مفروشات. وبين 800 و 1.200 مليون ليرة للمنازل المفروشة. أما في مركز المدينة وفي أحيائها “الراقية” فالآجارات بين 25 و 35 مليون ليرة سنوياً. وأحياناً تصل إلى 50 مليون!
حلب كانت كالتالي: الشعار وصلاح الدين 75 – 100 ألف – الميدان 100 ألف – سريان القديمة – 100 – 150 ألف مفروش فرش عادي – سيف الدولة 150-200 ألف – سريان جديدة 200-300 ألف – حلب الجديدة 350-400 ألف – فرقان 400-500 ألف – شهباء 700-800 ألف – شارع النيل والمحافظة 6 مليون سنوياً.
وفي مدينة حمص. فإن الآجارات في الأحياء الشعبية و المخالفات؛ مثل وادي الذهب وكرم الزيتون وحي الورود والبيّاضة بحدود 80 ألف على الأقل. بينما في الحارات المتوسّطة مثل النزهة وعكرمة القديمة والعدوية وكرم الشامي وحي الخضر. فتبدأ الآجارات من 150 ألف. وترتفع في الأحياء الحديثة مثل الإنشاءات والحمرا والغوطة والمحطة إلى 300 ألف وأكثر. وكل ما سبق هو لمنزل فارغة دون مفروشات. ويتم زيادة مبلغ 75 ألف على الأقل في حال وجود مفروشات.
إلى اللاذقية، التي تبدأ فيها الآجارات في الأحياء الشعبية متل (الدعتور و السكنتوري المنتزه) 125 ألف لمنزل غرفتين وصالون مفروش. وفي (السكن الشبابي و الزقزقانية) تتراوح آجارات شقة غرفتين و صالون فارغة بين 75 و 125 ألف. والمفروش بين 150 – 175 ألف، لترتفع قليلاً في حي (الرمل الشمالي) حتى تبلغ 175 – 200 ألف. ثم إلى ما بين 225 و300 ألف في مشروع (شريتح) بحسب وجود مفروشات أو دونها.
وترتفع الأسعار في مناطق (الزراعة والأوقاف والأميركان) التي تعتبر من المناطق الراقية إلى ما بين 300-350 ألف. وفي ذات المناطق ترتفع إلى ما بين 600 – 700 ألف للمنازل المفروشة وبتجهيز سوبر ديلوكس. وترتفع أكثر في حي (الكورنيش الغربي) لتصل إلى ما بين 600 – 700 ألف ليرة لمنزل فارغ مؤلف من غرفتين وصالون، ثم تبلغ حدها الأعلى في أحياء (الكورنيش الجنوبي) الذي تُعرف منازله بالتجهيز الممتاز جداً والذي يعتبر أرقى أحياء مدينة اللاذقية. حيث تصل الآجارات إلى ما بين 900 – 1200 مليون ليرة في الشهر.
ولا بد من الإشارة إلى أن هذه الأسعار ارتفعت خلال فترة إعداد التحقيق بما لا يقل عن 20% بحسب الذين زودونا بها. وأن الفارق بين المدينة والأرياف كبير جداً.
القانون وضع حداً للعقود الوهمية
فنفى رد الوزارة الأقاويل التي تنسبُ إلى القانون سبب ارتفاع الإيجارات. واستبعد أن يكون للقانون أي دور في رفع بدلات الإيجار التي تتغير بشكل مستمر وفق أمزجة المؤجرين. علماً بأن متغير سعر الصرف وارتفاع الأسعار يعد مؤشراً يلجأ إليه الكثير من المؤجرين لتعديل بدلات الإيجار، بهدف المحافظة على نفس المستوى المعيشي المحقق من بدل الإيجار. علماً أن القانون ألزم المؤجر بدفع الضريبة لكونه هو من حقق الدخل بتأجيره العقار. لكن ما يحدث أن بعض المؤجرين يستغلون حاجة الناس للسكن. ويشترطون على المستأجر إما دفع الضريبة أو إخلاء المنزل، وهذا أمر مخالف للقانون. وفيه استغلال لحاجة الناس. وهذه الحالة الاستغلالية تقتضي تسليط الضوء عليها في الإعلام.
كما أن المادة 17 من القانون 15 لعام 2021 (الخاص بضريبة البيوع العقارية) حددت معدّل 5% من بدل الإيجار السنوي كضريبة دخل على عقد الإيجار. بشرط ألا تقلّ الضريبة عن 3 بالعشرة آلاف من القيمة الرائجة للعقار المؤجر. بحيث يلتزم الأشخاص الخاضعون لأحكام هذه المادة بالتصريح عن عقود الإيجار خلال ثلاثين يوماً من تاريخ بدء التأجير.
وترى الوزارة أن القانون وضع حداً للعقود الوهمية التي كانت تتضمن قيماً غير حقيقية لبدلات الإيجار. ومثال على ذلك، في حال كان بدل الإيجار الشهري الفعلي لعقار 100 ألف ليرة سورية. لكن المؤجر صرح بمبلغ 50 ألف ليرة فقط، بقصد التهرب من دفع الضريبة المستحقة فعلياً، فهذا لن ينجح. لأنه ستتم المقارنة بالقيمة الرائجة للمنزل المؤجر وحساب نسبة 3 بالعشرة آلاف ليرة منها. ومقارنتها لتكون الحدّ الأدنى لقيمة الضريبة المتوجبة فعلياً. فمثلاً. إذا كانت القيمة الرائجة لمنزل مؤجر 150 مليون ليرة سورية. فإن تطبيق معدل 3 بالعشرة آلاف عليها يعطي مؤشر بأن الضريبة يجب ألا تقل عن 45 ألف ليرة سنوياً. وهو مبلغ بسيط أمام قيمة رائجة لمنزل بـ 150 مليون ليرة. وقيمته السوقية الحقيقية أعلى بكثير من ذلك.
وأوضح رد الوزارة أنه تم مؤخراً إعادة تقدير القيم الرائجة في كافة المناطق. ومعالجة الخلل الذي كان حاصلاً في بعض مناطق التداخل التنظيمي. مع التأكيد على أن القيمة الرائجة لا تعادل أكثر من 60% من القيمة الحقيقية للعقار. وفي حال حدوث أي خلل. أو وجود اعتراض لدى صاحب العقار بأن القيمة الرائجة غير حقيقية. يمكن تقديم اعتراض لدراسة الحالة وتصحيح الخلل للشريحة السعرية كاملة عند ثبوت الخلل.
الأرقام تدحض الإشاعات
وأكد الرد أن بيانات الوزارة تدحض الأقاويل التي تنتشر بين حين وآخر على وسائط التواصل الاجتماعي وعلى بعض الوسائل الاعلامية أيضاً. حول ركود السوق العقارية وجمود الحركة منذ تطبيق القانون. وتشير البيانات إلى أنه تم تنفيذ 55601 عقد بيع بين 3 أيار (بدء تطبيق القانون) حتى 16 أيلول. بقيمة رائجة 2851 مليار ليرة. إضافة لتنفيذ 70507 عقد إيجار في ذات الفترة. مع تسجيل زيادة مطّردة بشكل أسبوعي في حركة البيع والتأجير. علماً بأن وزارة المالية تنشر تقارير مفصلة عن حركة السوق العقارية. بشكل أسبوعي. بما يتيح إجراء مقارنات لتقييم حركة السوق. مع التنويه بأن المقارنة بالبيانات قبل صدور القانون غير دقيقة. بسبب تراكم الطلبات بشكل كبير بهدف عدم إخضاع العمليات للقانون الجديد. والذي أعلن عنه قبل شهر من دخوله حيّز التنفيذ، كما أن القيم المالية كانت متدنية جداً. إذ أن أعلى قيمة لعقار لم تكن تصل 100 ألف ليرة. كما كان البيع يعقد عدة مرات قبل التسجيل. وهذا أمر غير وارد حالياً بعد نفاذ القانون. وبالتالي فإن البيانات الأسبوعية التي تنشر للجمهور منذ 3 أيار الماضي والمزودة بمؤشرات دقيقة. تعطي صورة واضحة عن حركة السوق. الأمر الذي لم يكن موجوداً من قبل، ويعدّ خطوة باتجاه تنظيم السوق.
أسعار خارج المعقول
الباحث والمستشار الاقتصادي شادي أحمد يرى أن أسعار المنازل والآجارات أصبحت خارج المعقول. وأن سورية أصبحت تقريباً في المقدمة بأسعار العقارات على المستوى العالمي. دون أي مبرر اقتصادي. مؤكداً بأنه لا شك بأن ارتفاع سعر الصرف له آثار كبيرة على الاقتصاد السوري. لكنه تحول إلى ذريعة لكثير من التجار وأصحاب رؤوس الأموال والعقارات لرفع الأسعار بشكل جنوني وجشع ولا إنساني. مستغلين ضيق مساحات العقارات الموجودة في دمشق وسورية بشكل عام. كما أن عدم وجود قوانين متطورة وعصرية تنظم حركة بيع وشراء وتأجير العقارات. ولا سيما السكنية منها. جعل هذا القطاع مفتوحاً للمزايدات التي ليس لها أي مبرر أو سبب اقتصادي.
وقبل الدخول في الأسباب، أكد أحمد أن النظرية الاقتصادية الخاصة بهذا الأمر لا تنطبق على الحالة السورية. فالنظرية تقول إنه عندما ترتفع أسعار العقارات. فهذا دليل على نشاط اقتصادي كبير أدى إلى تدفق أموال كثيرة يوازي أسعار العقارات الرائجة. وخاصة العقارات ذات الصيغة الإنتاجية، وهذا لم يحدث لدينا. إضافة إلى أن الارتفاع في الحالة السورية. كان في العقارات ذات الصيغة السكنية.
تخمة قوانين بلا فائدة
وفي الأسباب، يعتقد أحمد بأنه لم تمر الفترة الكافية لتقييم قانون البيوع الجديد. لكنه ككل القوانين. يمكن التحايل عليه. كما يتم التحايل على قانون تنظيم الآجارات والمكاتب العقارية الموجود أساساً. والذي يلزم بأن تكون حصة المكتب العقاري لا تتجاوز 2.5% من القيمة. تدفع من قبل المؤجر. لكن ما يحدث هو أنه وبالاتفاق بين صاحب المكتب وصاحب العقار. يتم تحميلها للمستأجر.
ويضيف: لدينا في سورية تخمة في القوانين التي تتحكم بالشأن العقاري، لكنها ليست بالمستوى المطلوب. فمثلاً، الكثير من دول العالم. تحتّم على من يغلق منزله، دفع رسوم معينة، أو عرض المنزل للآجار. وفي دمشق وحدها، تقول الإحصاءات إن هناك 100 إلى 150 ألف منزل مغلق منذ سنوات. وهذا يقلل من فرص العرض للبيع أو الآجار.
كذلك فإن أحد أسباب تفاقم هذه الأزمة، هو تباطؤ الحكومة. وخاصة القطاعات المعنية بالسكن، بتنفيذ مشاريع سكنية، في الضواحي على الأقل. إذ يوجد مساحات فارغة هائلة جداً لا تبعد عن دمشق أكثر من 10 كيلومتر. واستثمارها من قبل الدولة أو القطاع الخاص. وبيعها بنظام تمويل عقاري عصري – غير موجود لدينا لأنه متأخر تشريعياً وتنفيذياً – سيخفف الضغط على المدينة أولاً. ويحل أكثر من 70% من مشكلة الآجارات وارتفاع الأسعار ثانياً.
ويتابع: عندما ننظر إلى مداخل دمشق الأربعة (الشمالي دمشق حمص – الشرقي القادم من طريق المطار – الجنوبي طريق دمشق درعا – الغربي). نلاحظ وجود مساحات فارغة كبيرة، وكلها قريبة جداً من مصادر الكهرباء. وفيها مصادر مياه. ولا ينفذ فيها أي مشروع على الإطلاق. بل متروكة لمضاربات بيع وشراء بمليارات الليرات.
أين سكن العاملين؟
في الشهر الأول من العام 2021، وجه رئيس الجمهورية عبر قانون خاص. بمنح المؤسسة العامة للإسكان قرض سنوي من صندوق الدين العام في وزارة المالية لا يتجاوز 5 مليار ليرة. وبفائدة لا تتجاوز 1%، من أجل بناء المزيد من المساكن العمالية. ورغم أنه من المبكر التعويل على هذا الأمر في تخفيف حدة أزمة السكن. إلا أن جواب المؤسسة بأن هذا القانون جاء بسبب ارتفاع تكاليف التنفيذ. وعدم كفاية التمويل المقدم من العاملين المكتتبين على المشروع. وتقسيط المساكن للعمال المتخصصين بمدة أقصاها 25 سنة. كما يهدف لإعادة التوازن إلى برنامج التمويل وصولاً إلى تحقيق أهداف المؤسسة. ويشكل دعماً حقيقياً ومباشراً لمشروع السكن العمالي.
وأوضحت المؤسسة أنه تم صرف هذا الاعتماد على مشاريع السكن العمالي قيد الإنجاز في محافظات (ريف دمشق (عدرا) – حلب – حمص – حماه – اللاذقية).
أما بخصوص كيفية تسليمها للعمال وبأي صيغة، فهذا يتم استناداً إلى قرار رئيس الوزراء رقم 920 لعام 2008 الناظم لمشروع السكن العمالي. إذ يتم تخصيص المساكن للعاملين، ومن ثم إبرام عقد التخصص بعد استكمال مدفوعاتهم لتبلغ 10% من القيمة التخمينية للمسكن. وتقسيط الرصيد المتبقي على 25 سنة بفائدة قدرها 5%.
المصدر:
http://syriasteps.net/index.php?d=207&id=188952