سيرياستيبس :
لم تحتج الجهات المعنية أكثر من يومين لتُنهي سيناريو فقد المحروقات وشلّ حركة الصناعيين ومن ثم طرح المادة بسعر مرتفع وفق قرار يشي ظاهرياً بأنه لصالح الصناعيين خاصّة وأن السعر المطروح أقل بدرجة من سعر المادة في السوق السوداء، في حين أن باطن هذا القرار لا يحمل سوى الكثير من التضخم القادم، إذ اعتبر أصحاب الشأن أن قرار وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك الصادر أمس بالتزام الشركات الموردة للمشتقات النفطية بيع المحروقات التي تستوردها للفعاليات الاقتصادية بسعر 5400 لليتر المازوت الصناعي والتجاري و4900 لليتر البنزين لم يخرج من دائرة “سكب الزيت على النار”، لاسيّما بعد توقف عدد من الورش والمعامل وتقليص طاقة عمل القسم الأكبر منها ومناجاة أصحابها لوزارة حمايتهم للرجوع بقرارها الصادر منذ يومين والمتضمن تحذير كل منشأة أو فعالية تستجر مشتقات نفطية من السوق السوداء ولا تبلغ وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك عن البائع شريكاً في الاتجار غير المشروع بالمشتقات النفطية ويطبق عليها المرسوم التشريعي رقم ٨ للعام ٢٠٢١، إذ لم يعد خافياً على أحد أن القسم الأكبر من هذه المعامل والورش اعتمدت خلال السنوات الأخيرة في دوران عجلتها على “المحروقات السوداء” وسط عدم كفاية الموزّع شرعاً من هذه المادة على المعامل والمنشآت ليأتي الرد مسرعاً للصناعيين بإلزامهم الشراء من شركة معيّنة وبسعر محدد.
تمهيداً للتضخم
القرار الذي حمل في طياته الكثير من إشارات الاستفهام حول مدى صدق نوايا الحكومة بدعم أصحاب الفعاليات الاقتصادية وهل سيحقق فعلاً تهاوي وانخفاض في أسعار السلع خاصة وأن سعر المادة ضمن القرار أقل من سعرها في السوق السوداء أم أن المادة ستبقى غير متوفرة حتى عبر هذه الشركات وسترتفع أسهم التضخم من جديد، خاصة وأن الجهات المعنية لا زالت عبر سنوات الأزمة تقع في ذات المطب عبر إصدارها قرارات غير مدروسة يخشى المواطنون عقباها دوماً، إذ لم يتفاءل الصناعي وليد عجلون عقب إصدار هذا القرار والذي اعتبره تمهيداً لرفع سعر المادة في السوق السوداء إلى الـ 10 آلاف ليرة، بالتي من المؤكد ارتفاع الأسعار بنسبة لا تقل عن 25%، واستنكر عجلون هذه القرارات الارتجالية غير الصحيحة وغير المدروسة على أرض الواقع والتي تصب في مصلحة أشخاص معينين، واقترح الصناعي عجلون السماح للصناعيين والتجار باستيراد المحروقات على حسابهم الشخصي عندها سنجد المواد متوفرة والسلع منخفضة، خاصّة وأن موضوع تمويل المستوردات هو إجرام بحق المواطن والتاجر من جهة زيادة الأعباء عليهم، فالتاجر الذي يدفع رأس مال للشركة الموردة ورأس مال لشركة الصرافة ورأس مال للجمركة التي ارتفعت بدورها إلى حدود الـ 50% لبعض السلع، فجميع عمليات الدفع هذه ستُدفع من جيب المواطن لا التاجر الذي لا يقبل الدخول في تجارة خاسرة مسبقاً.
أحلاهما مرّ
وعلى الرغم من أن التشاؤم ملأ صفحات وسائل التواصل الاجتماعي من قبل روادها الذين اعتبروا هذا القرار نذير شؤم وفاتحة “شر” لرفع الأسعار من جديد، إلا أن القلة القليلة لمست بهذا القرار شيئاً من التفاؤل، فبحسب الصناعي عماد قدسي كان من الضروري تأمين المحروقات للصناعيين بعد حالة الشلل التي حصلت خلال اليومين السابقين ومنعهم من تأمين المادة من السوق السوداء، بالتالي كان لابدّ من هذا القرار لاستمرار دوران عجلة الإنتاج، مشيراً إلى أن البلد سيشهد ارتفاعاً جديداً في أسعار جميع السلع على خلفية هذا القرار، لكن يبقى تأمين السلع بسعر مرتفع أفضل من فقدانها واستيرادها بأسعار مضاعفة، في المقابل وجد الصناعي محمد الصباغ أن ارتفاع سعر المحروقات وفق القرار الجديد لأصحاب الفعاليات التجارية والصناعية سيؤدي إلى زيادة حقيقية في معدلات التضخم، فنحن كصناعيين ننتج صناعة وطنية ضمن الأسواق المحلية لم نكن قادرين على العمل والإنتاج الجيد عندما كان سعر المازوت 2500 ليرة، فكيف الحال بسعر 5400، ولم ينكر الصباغ أن جزء قليل من الصناعيين يفضلون الشراء بهذا السعر بدلاً من اللجوء إلى السوق السوداء وهم ممن يعملون ضمن عقود خارجية أو لديهم التزامات بموعد محدد لتسليم البضائع ، وطالب الصباغ ببقاء سعر المازوت بحدود الـ 2500 بالنسبة للصناعيين المُباع منتجهم ضمن الأسواق الداخلية، مشيراً إلى تأثير هذا القرار على كلفة المنتج، ففي الوقت الذي نحارب به لأن يكون المنتج منافس للدول المجاورة، بتنا خلال السنوات الأخيرة نشهد ارتفاع تكاليف المنتج السوري مع ارتفاع في سعر حوامل الطاقة وضعف تواجده في الأسواق الخارجية والدول العربية التي كنا نصدر إليها خاصة وأننا كنا نصدر لأكثر من 120 دولة، وطالب الصباغ الحكومة بدراسة وضع جميع الصناعات قبل وضع القرار لاسيما وأن الصناعات عبارة عن حلقة متكاملة بدءاً من الصناعات النسيجية التي تشكل 60% من الصناعة السورية وانتهاءً بالصناعات الكيميائية والغذائية، لذا يجب دراسة الأسعار وارتفاع تكاليف الإنتاج على جميع هذه الصناعات بحيث لا تتأثر صناعة على حساب الأخرى.
تضخم مكبوت
كذلك وجد الخبير الاقتصادي عامر شهدا أن القرار برفع أسعار المحروقات لأصحاب الفعاليات الصناعية والتجارية هو رفع حقيقي لتكلفة المنتج بالتالي رفع الأسعار، مشيراً إلى عدم قدرة الحكومة اليوم على تعليق فشل سياساتها على العقوبات الخارجية، فإلزام شركة معينة بالتوريد ومن ثم التراجع عن اسم هذه الشركة وإلزام الشركات الموردة للمشتقات النفطية ببيع المحروقات التي تستوردها للفعاليات الاقتصادية يعني قدرة الحكومة على اختراق هذه العقوبات والحد من تأثير قانون قيصر على الأسعار، وهذا ينفي تعليق الأخطاء على العقوبات وقانون قيصر، ولم ينف شهدا انعكاس هذا القرار على زيادة معدلات التضخم كثيراً، إضافة إلى خلق ما يسمى التضخم “المكبوت” والذي سببه سياسات وخطط اللجنة الاقتصادية ووزارة التجارة الداخلية، إذ يحدث هذا النوع من التضخم في ظل سياسة تثبيت وفرض أسعار محددة على المنتجات مما يؤدي إلى ثبات سعرها ظاهرياً وارتفاعه فعلياً في السوق السوداء أو من خلال عدم توفر السلع بشكل يناسب الطلب عليها، بالتالي فإن تثبيت الأسعار من قبل الحكومة سيؤدي إلى تشويه في عملية الإنتاج وسلبيات كثيرة فيما يتعلق بكلف الإنتاج وعكس الموازنة ومستوى الدين العام، كما سيكون لهذا التضخم تأثيره المباشر على قدرة الدخل على الاستهلاك وبالتالي سيكون له تأثير على أصحاب الفعاليات الاقتصادية.
تعويل على الوزارات
وبكثير من التفاؤل تحدث عامر ديب عضو مجلس إدارة جمعية حماية المستهلك عن الشق الإيجابي بهذا القرار والذي يجب أن يؤدي إلى انخفاض الأسعار بنسبة 30% بدلاً من رفعها، خاصّة وأن حصول الصناعيين على محروقاتهم كان بنسبة 50% من شركة سادكوب و50% من السوق السوداء بالسعر الحر، بالتالي فإن هذا القرار سيؤدي إلى انسيابية المادة لأصحاب الفعاليات بسعر أقل من شرائها من السوق السوداء، وعوّل ديب على قدرة الوزارة على ضبط هذا الموضوع، فقرار الوزارة بمعاقبة من يتعامل مع السوق السوداء أدى لانحسار هذه السوق، ونوّه عضو مجلس الإدارة إلى أهمية تطبيق المراسيم الجمهورية التي تتعلق بتنظيم الحياة الاقتصادية وتدعم تحسين الوضع المعيشي للمواطن، لافتاُ إلى أن للسلوك الشعبي دور كبير في الأزمات، إذ كشفت الأزمات في بلدنا أن الغالبية العظمى من السلوك الشعبي كان سلبياً بالتعاطي معها من خلال استغلال حاجيات بعضنا البعض أو بيع البنزين والمازوت بأسعار خيالية.
ميس بركات