سيرياستيبس :
إيمي غسان
كل المشكلات المعيشية بمختلف أنواعها، يعيدها الكثير من المعنيين والخبراء إلى ضعف القدرة الشرائية لدى المواطن، والفجوة الكبيرة بين الدخل وبين متطلبات الحياة.
ويطالب الكثيرون بزيادة الدخل بنسبة عالية، رغم علمهم بأن رفعها حتى لو حصل بنسبة 100 أو 200 بالمئة، لن يؤدي إلى ردم هذه الفجوة، لكن وقبل كل هذا..
هل بالإمكان فعلاً، وهل لدى الحكومة المقدرة على زيادة الدخل بنسبة تخفف ولو قليلاً من معاناة الناس؟ وما هو السبل لذلك؟
الدكتور في كلية الاقتصاد جامعة حلب حسن حزوري قال بداية إن عدم المقدرة على الزيادة سببه قلة الموارد والوضع الاقتصادي الصعب، كما أنه ومع الإمكانيات المتوافرة لدى الحكومة ووزارة المالية من المصادر الدائمة مقارنة مع المستوى العام للأسعار، فمهما كانت الزيادة على الرواتب فلن تغطي الفجوة ولكن تبقى على مبدأ «بحصة بتسند جرة»، إضافة إلى أن زيادتها أصبحت ضرورية، من أجل الحفاظ على بقاء عمل مؤسسات الدولة بمختلف مسمياتها، لأن الراتب الذي تدفعه المؤسسات الحكومية، لا يكفي سوى أيام معدودة، مما يجعل الموظف يفضل الحصول على إجازة بدل الالتحاق بالعمل، أي إن استمرار الوضع على ما هو عليه الآن، يعني أننا نتجه لمزيد من التدهور الاقتصادي والمعيشي، نتيجة ضعف الطلب وانخفاض القوة الشرائية.
اختلالات وتشوهات
وأوضح حزوري أن حصة الرواتب والأجور من الدخل القومي بتكلفة عوامل الإنتاج كانت في الماضي تزيد على 40 بالمئة، بينما هي حالياً لا تتجاوز 15 بالمئة في أحسن الحالات، وهذا مؤشر على سوء توزيع الدخل أولاً، وعلى أن الأجر الذي يتقاضاه الموظف أو العامل غير عادل، وخاصة من يعمل في القطاع العام الاقتصادي أو الإداري. مبيناً أنّ بنية الأجور حالياً تعاني اختلالات وتشوّهات في أكثر من صعيد، مما أسهم في تراجع الطبقة الوسطى، لذلك فإن مسؤولية النجاح في تحسين مستوى المعيشة، أو ردم الهوة القائمة بين الرواتب والأجور من جهة والأسعار من جهة أخرى، هي مسؤولية مشتركة بين الحكومة ومجلس الشعب والمجتمع ومنظماته الأهلية والمهنية وأحزابه السياسية.
دعم الإنتاج
وأكد حزوري أن تحسين الدخل أو القوة الشرائية وردم الهوة بين الدخل والأسعار لن يتم إلا من خلال ثلاثة محاور أساسية هي: اعتماد سياسة تدعم الإنتاج وتخفض التكاليف بدلاً من السياسة الريعية المهيمنة حالياً، أي تشجع الإنتاج الزراعي والصناعي والحرفي، مع التركيز على الزراعة كونها القادرة على تأمين متطلبات المعيشة الأساسية وتحقيق الأمن الغذائي، ويتطلب ذلك مواصلة تعديل قرارات السياسة النقدية لكبح جماح التضخم واستقرار سعر الصرف، فالمطلوب حرية حركة الأموال في الداخل وتوفير السيولة للمؤســسات والشركات كي تتمكن من الاستثمار ومن تعزيز أوضاعها، وخلق فرص عمل وتوظيف عاملين جدد، وتحسين أوضاع الموظفين الموجودين، فخفض نسبة الفوائد وانتهاج سياسة نقدية جديدة، تعزّز الاستثمار وتوفّر فرص العمل، ما يؤدي إلى إعادة إنعاش الطبقة الوسطى. علماً أن ما قام به المصرف المركزي مؤخراً من إصدار نشرة خاصة بالحوالات والصرافة قريبة من سعر الصرف بالسوق السوداء، يستفيد منه المصرف المركزي الذي سيزيد من احتياطيات القطع الأجنبي، والمواطن الذي سيحصل على القيمة الحقيقية للحوالات الواردة وسيعزز دخله، وأيضاً سيشجع على دخول الاستثمارات الجديدة، كذلك لا بدّ من اعتماد الضريبة الموحدة على الدخل بغية التأسيس لعدالة اجتماعية والتخفيف من الاعتماد على الضرائب غير المباشرة التي تصيب الجميع وخاصة ذوي الدخل المحدود والفقراء منهم.
محاربة الهدر والفساد
أما المحور الثاني فهو من خلال رفع كفاءة الإنفاق العام لمحاربة الهدر والفساد، وضبط الهدر في الإنفاق الحكومي الجاري، وتوجيه المبالغ الموفرة من ذلك لزيادة الرواتب والأجور، وخاصة الوفورات الناتجة عن رفع الدعم بكل أشكاله عن عدد كبير من الشرائح، كون الدعم بوضعه الحالي فيه نسبة كبيرة من الفساد المباشر وغير المباشر، أو تحويله إلى دعم نقدي.
منع الاحتكار
بالمقابل فإن المحور الثالث الذي يجب العمل عليه يكون من خلال تشجيع المنافسة ومنع الاحتكار، والسماح لأكبر عدد من المستوردين أو المنتجين بالدخول إلى السوق من دون عقبات أو شروط تعجيزية، وعدم احتكار الاستيراد مما سيؤدي إلى توافر السلع بشكل كبير الأمر الذي سينعكس إيجابياً على الأسعار، وبالتالي رفع القوة الشرائية للمواطنين وبمعنى آخر زيادة الدخل.
وقال حزوري: إنه من الواجب أيضاً تخفيض أسعار حوامل الطاقة للمعامل وزيادة المنافسة وضبط الأسعار عن طريق الرقابة على المنتج والمستورد وتاجر الجملة وليس تاجر المفرق الذي يكون في أغلب الأحيان ضحية مثل المستهلك، والعدالة الضريبية، إذ يجب أن تقوم المالية بدور الرعاية وليس الجباية والتنسيق بين السياسة المالية والنقدية، ودوران عجلة الإنتاج لأن ارتفاع التكاليف سببه الإنتاج بالطاقة الدنيا، لذا يجب أن تكون عملية الإنتاج بالطاقة المثلى وكل ما سبق يؤدي إلى خفض الأسعار للمستهلك.