عندما يتحدث أثرياء البلد عن أنّ الظرف صعب والواقع مرير 10/12/2023
سيرياستيبس :
لا
إحصائية دقيقة لأعداد الميسورين في بلد حرب الإثنتي عشر عاماً ونيف، لكن
ثمة مشاهدات في الأماكن العامة من مقاه وكافيهات ومولات، تنتج تصوراً بأن
لا أزمة في هذا البلد، وكل مزاعم الفقر هي مزاعم كاذبة.
مشاهد أثارت تساؤلات ملحة عن حقيقة الموقف في سورية، وجاءت بعض الإجابات من
بعض الجهات منذ سنوات لتتحدث عن شريحة إنفاق ترفي تعدادها حوالي ١٠٠ ألف
شخص ” لم نطلع على الدراسة وإنما سمعنا عنها وتداولنا بشأنها مع بعض
الأصدقاء”.
يلي هذه الشريحة..شريحة ” الحالمين بالإنفاق الترفي” وهي شريحة غير قليلة،
ممن يحرصون على عدم قلب الروزنامة والعيش في عوالم العام 2010 وما قبله من
سنوات البحبوحة، ورغم أن دخولهم تكفي للبقاء في نادي المترفين إلا أن
طموحاتهم الإدخارية والاستثمارية تعثّرت، وهذه أزمة بالنسبة لهم، فأعلوا
الصراخ بطريقة أحدثت ضجيجاً غير مسبوق، والمشكلة أن طاقتهم على الصراخ
مازالت مرتفعة، لأنهم مكتفون من الأساسيات ” بروتين ومكملات غذائية وأندية
رياضية وارتياد المطاعم والمقاهي” ولايعانون من مشكلات التنقل ولا الكهرباء
“إما خطوط ذهبية أو ألواح طاقة”..أي هم بكامل طاقتهم الحيوية على الصراخ.
يلي
هذه الشريحة.. شريحة الفقراء المأزومون، و هم من يحق لهم الشكوى، لأن
لاملكيات لهم ليستثمروا..لا أرض ليزرعوها..ولا شقة إضافية ليؤجروها..ولا
محل تجاري للاستثمار أو الإيجار….
الموظفون أيضاً بدخول محدودة ممن يكافحون وينافحون للصبر وعدم “مد أيديهم” لسرقة مال ليس لهم…
هؤلاء يحق لهم الشكوى والتساؤل عن الانفراجات المنتظرة، بل وانتقاد
الإدارات القاصرة والمقصرة، وشتم الفساد والفاسدين، بما أن الجوع والفقر قد
نال منهم..
لكن ماذا لو استنتجنا أن هؤلاء هم أقل الشاكين، أو بدقّة أكثر هم الأقل
قدرة على الصراخ، بالتالي أقل مصادر ضخ الطاقة السلبية، إن في الأرياف أو
في المدن، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ؟؟
أليس مريباً أن يكون أكثر الشاكين وأصحاب المهارات في “النق” والانتقاد
والشكوى، هم ممن أتيحت لهم الظروف واستثمروا فرصهم “ع الآخر”، أو ممن
امتلكوا حيازات شاسعة ومزارع في الأرياف ولاذوا بالمدينة بحثاً عن رفاهية
لم يجدوا كفايتهم منها حيث تجمعت أرزاقهم.
يتحدث أحد المثقفين وهو حاذق في المعاينة والتحليل، ويتهم الميسورين بمعنى
وتوصيف ما، بأنهم أخطر مصدر للطاقة السلبية، حتى الفقراء بالفعل باتوا
يهربون من التواصل مع هؤلاء لأن مافيهم يكفيهم، وليسوا بحاجة لمن يخبرهم أن
الظرف صعب والواقع مرير.
على العموم هذا مجرد توصيف للدوافع و ردود الأفعال في هذا الواقع الصعب، أي مجرد كلام لايقدم ولايؤخّر، إلا أنه حقيقة.
لكن يبقى التساؤل إلى أي حد تكون دوافع الضخ السلبي التي برع بها بعضهم
مدروسة وممنهجة باتجاه دفع التهم عن أنفسهم وتحويل الانتباه عن المصادر
السابقة لما جمعوه من ثروات، وربما الإيحاء بأنهم أنفقوا مالديهم، أو
العودة إلى مجتمعاتهم بنبرة تضمن قبولهم على أنهم شركاء في القربى
والجغرافيا والوجع أيضاً ؟؟
أي بدلاً من أن يوافوا هؤلاء “الشركاء” باستثمارات ومبادرات خيرية ينعشوا
بها محيطهم، اختاروا خطاب الردح بما أنهم خبراء في تطبيقات مقولة الأشقاء
اللبنانيين ” النق سياج الرزق”.