سيرياستيبس :
لم يستطع جمال القادري رئيس اتحاد العمال إخفاء “تقطيبة حاجبيه” وهو يستمع لتحذيرات أحد الناشطين الاقتصاديين – شادي أحمد – عندما قدّم إفادته على طاولة نقاش التنظيم – بثقله النيابي – حيث دعا الأخير عبر ذراعه (المرصد العمالي للدراسات وبالتعاون مع المعهد العالي للدراسات والبحوث السكانية) لعقد ورشة حوارية تفاعلية تحت عنوان “إدارة عملية التنمية الاقتصادية في ضوء المتغيرات الداخلية والخارجية”، فالمستشار أحمد –المعروف بنبرته العالية ونقده القارص – أظهر حزمة من التوجّسات وهواجس القلق بجملته التي وجهها للقادري قائلاً: “د. جمال… أنا خائف على اتحاد العمال أن يصبح بلا عمال ولا خبراء وكوادر…”!
ومع أن شادي أحمد بدا مختصراً لملف طويل عريض، فيه من المواجع الساخنة خلال الفترة السابقة (.. ولم يزل!) إلا أن المتحدث كان شفافاً حين ربط هذا الأمر بإجراءات وتوجّهات تتعلق بمصير العاملين في القطاع الحكومي، ولاسيما المدراء والخبراء والمستشارين الذين وقعوا ضحية “المسار الإداري والوظيفي”، في زمن لا يمكن تحييد مواقف وخطابات وتوجهات رئيس اتحاد العمال على جبهة الحكومة ومجلس الشعب وكافة المنابر من هكذا موضوع، وهو الذي رجّح أن يشهد القطاع الحكومي آلاف طلبات الاستقالة من العمل الوظيفي من أجل البحث عن عمل آخر لدى القطاع الخاص، أو من أجل الهجرة خارج البلاد، مشيراً في أكثر من مناسبة إلى أن راتب الشهر الواحد، لا يكفي مصروف يوم واحد فقط. ولطالما شكلت اللقاءات المباشرة مع الحكومة فرصة لطرح الكلام العريض المرتبط بالواقع المعيشي للموظف، وسريان سياسة الأمر الواقع عبر الاستقالات الجماعية والتسرّب الكبير للعمال، وما جابهته الوزارات من رفض وعدم قبول هذه الطلبات، ولاسيما على مستوى وزارتي الصناعة والتربية الأكثر تشدّداً في التمسّك بالعمال رغم كلّ الضغوط النفسية والمادية و”تكبل يدي المسؤولين” تجاه تحسين الرواتب والمعاشات.
وفي ظلّ تراجع قوة العمل في القطاع الحكومي من 3.5 ملايين عام 2011 ،إلى أقل من 1.8 مليون عامل عام 2023 – كما يتمّ تداوله – يمكن التعريج على تصريح سابق للقادري وقت قال: دفعنا أثماناً باهظة جراء وجود قانون واحد للعاملين في الدولة لم يراعِ خصوصيات قطاعات الدولة، لذلك طالبنا في قانون الخدمة العامة الجديد وجود قانون عام، ويشتقّ منه قوانين تراعى خصوصية كل قطاع في محاولة لتحفيز وإبقاء العمال على رأس عملهم.
يُذكر أن التقرير نصف السنوي لهذا العام الصادر عن اتحاد العمال نفسه كشف عن ازدياد أعداد المستقيلين ومقدّمي طلبات الاستقالة ضمن القطاع العام خلال النصف الأول من العام الجاري، ليسجّل التقرير استقالة 400 موظف في محافظة السويداء، بالإضافة إلى 300 آخرين في محافظة القنيطرة، معظمهم من قطاع التربية، كما تمّ تقديم 516 طلب استقالة في محافظة اللاذقية، بينها 230 طلباً من العاملين في شركات الغزل والنسيج، و149 عاملاً في مؤسّسة التبغ، و58 في قطاع الزراعة، و31 في مديرية الصحة، بالإضافة إلى 48 طلباً من موظفي بقية القطاعات الأخرى. وتشي المعلومات الراشحة من أغلب الجهات بتسجيل طلبات استقالة وتقاعد مبكر، ولو تمّت الموافقة عليها ستفرغ معظم مؤسسات القطاع العام، حيث يلجأ معظم الموظفين والعاملين لممارسة أعمال عدة، قد تصل إلى ثلاثة أعمال معاً بمعدل 18 ساعة يومياً، وكثير من الآباء يدفعون بأولادهم إلى سوق العمل ولو كانوا طلبة مدارس.
وكانت رئاسة الوزراء أصدرت، العام الماضي، قراراً بمنع تقديم الاستقالات وتشديد العقوبة على مَن يترك العمل، تحت طائلة المقاضاة والسجن أو التغريم المالي، مع الحرمان من مستحقات نهاية الخدمة في حال تغيب 16 يوماً عن العمل، والاستقالات التي يمكن النظر فيها هي لمن تجاوزت خدمته 30 عاماً وبقي على سنّ التقاعد سنوات قليلة، علماً أن من تجاوز عمرهم الخمسين، يشكلون نحو 30 في المائة من قوة العمل في القطاع الحكومي – كما تقول الأرقام – مع الإشارة إلى أن أحدث التصريحات المنسوبة لوزير التربية د. عامر مارديني تقول بإمكانية الموافقة على طلبات الاستقالة للمعلمين والمدرّسين الذين أمضوا في الخدمة 30 عاماً، مؤكداً أن الوزارة تحترم حقّ تقديم الاستقالة للمعلم والمدرّس، ولكن هذا الأمر متعلق باستقرار العملية التربوية، وطالما أنه لن يؤثر في سير العملية التربوية فسيكون متاحاً، في وقت مازالت وزارة الصناعة تتمسّك بالطلب من مديري المؤسّسات التابعة بعدم رفع طلبات الاستقالة لغاية إعداد هذا التقرير.
البعث
المصدر:
http://syriasteps.net/index.php?d=131&id=197281