سيرياستيبس :
أظن لا أحد ينكر دور السياسات النقدية والمصرفية في تعزيز مكانة الليرة السورية ووظائفها وأثرها الاقتصادي، ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى ضرورة وضع النقاط على الحروف لجهة استقرار سعر الصرف ورفع معدلات النمو الاقتصادي.
هذا ما أكده الباحث الاقتصادي الدكتور رازي مُحي الدين على طاولة النقاش ضمن لقاء الثلائاء الاقتصادي الذي أقيم مساء أمس في المركز الثقافي بأبي رمانة.
الباحث أوضح من بداية حديثه أن ما تشهد الليرة السورية من تراجعات كبيرة منذ شهر آب من العام المنصرم، أدى إلى زيادة معدلات التضخم بشكل كبير وتراجع بسعر صرف الليرة.
وأكد أن الليرة لم تعد تقوم تقريباً بأغلب وظائف النقد المطلوبة منها، وحالياً تمارس وظيفة واحدة تقريباً بشكل جزئي ومشروط، وذلك وفق عدة أمور ذكر منها أن أغلب عمليات التسعير حالياً بسورية تتم وفق سعر صرف الدولار بالسوق السوداء وبشكل شبه فوري، وفي بعض الأحيان بشكل مستبق أي إن التجار يتحوطون مسبقاً لتراجع الليرة ويقومون بتسعير السلع على دولار أعلى من السوق السوداء مثلاً بسعر 16000 أو 20000 حسب كل سلعة) ومستفيدين من غياب التنافس في السوق نتيجة ضعف الإنتاج وتراجع الاستثمار وتقييد الاستيراد، وتشمل عمليات التسعير بالدولار أيضاً كثير من السلع والخدمات التي تسيطر عليها الحكومة (مثل البنزين والمازوت والوقود وإصدار جوازات السفر، وكذلك أسعار أغلب السلع في المؤسسات الاستهلاكية تقارب أسعار في السوق)، إضافة إلى تسعير السلع ذات الإنتاج المحلي التي لا تتأثر بالاستيراد لكونها ذات فرص تصديرية عالية، مع التنويه بأن السلع والخدمات التي لا يتم تسعيرها وفق الدولار مثل الصحة والتعليم، أدى ذلك لتراجع الجودة وهجرة الكفاءات وضعف التنافسية للأدوية واضطرت الحكومة أن تستجيب لرفع أجور السلع، وأما الخدمات فلم ترفعها، وهذا الدور لا يمكن استعادته إلا بأدوات اقتصادية ونقدية فعالة.
وتابع الدكتور أن سبب استمرار الليرة بوظيفتها كأداة تداول جزئياً هو القوانين المتشددة بحبس وسجن كل من يتداول بغير الليرة، وهذا يعطي مؤشراً خطيراً جداً وهو أن الليرة نتيجة لضعف السياسة النقدية خسرت غالب وظائفها وأن الوظيفة التي مازالت تقوم بها جزئياً هي بسبب العقوبات المتشددة، والذي من الممكن أن يكون قد أدى في كثير من الأحيان لدور عكسي بعدم الثقة بالليرة السورية وساهم بهروب كثير من الأموال لخارج القطر.
أداة تمويل
وأضاف إن تقييد عمليات تمويل رأس المال العامل وشبه توقف عمليات الاستثمار الحقيقي نتيجة تراجع القوة الشرائية الحاد، مع بقاء معدل الفائدة الحقيقي سالب على القروض ظهر في سورية (في اقتصاد الظل) استثمار جديد هو المضاربة على الليرة السورية بالاقتراض المصرفي، حيث يعتبر حالياً أهم استثمار رابح هو الاقتراض بالليرة السورية وتحويله إلى دولار، وهذه الأداة للأسف لم يتم ربطها بالاقتصاد المنظم بل تم استخدامها بشكل عشوائي لدعم اقتصاد الظل، حيث تبلغ الفوائد على القروض حالياً قرابة 15 بالمئة والتضخم قرابة 300 بالمئة وبالتالي كل قرض يحقق ربح أكثر من 200 بالمئة سنوياً، وهذا الأمر الخطير جداً عندما تصبح مصلحة اقتصاد الظل هو انهيار الليرة السورية لكي يحقق أرباح مضاربة، مع التنويه بأن اقتصاد الظل قائم على التهريب والاقتراض والفساد والمحسوبية والرشاوى… الخ.
مركزية شديدة
وعرج الباحث خلال محاضرته إلى أهم قرارات مجلس النقد والتسليف ومصرف سورية المركزي في السنوات لأخيرة والتي اعتبرها مرتبطة بهدفين أساسين، الأول تشديد المركزية الحكومية الشديدة لعمليات الاستيراد والتصدير من خلال القرارات المرتبطة بالمنصة وتمويل الاستيراد، والثاني زيادة الودائع وسيولة البنوك من خلال إجبار المتعاملين والمواطنين بالتعامل عن طريق البنوك بمختلف العمليات التجارية والبيعية مع تقييد عمليات السحب مثل بيع العقارات والسيارات، الحوالات، تحويل جزء من قيمة الصادرات، بطاقات الدفع الالكتروني، دفع الفواتير عن طريق البنوك، مترافقاً مع قرارات كثيرة من وزارة المالية تتمثل بتخفيض حاد للدعم الحكومي وزيادات كبيرة في الضرائب والرسوم وإصدار بعض سندات الخزينة لتمويل جزء من عجز الموازنة.
وتساءل الباحث هل أدت عمليات تقييد الاستيراد والتصدير لتحقيق أهدافها المتمثلة بمحاربة التضخم وتخفيض العجز التجاري واستقرار سعر الصرف؟ أم إنه حقق نتائج عكسية تماماً؟ والتساؤل الثاني: هل أدى سحب السيولة من السوق إلى تجفيف منابع المضاربة على الليرة السورية، أم أدى لانتقال الأموال من أصحابها الحقيقيين في الاقتصاد النظامي إلى الأفراد في اقتصاد الظل والمضاربة والتهريب؟