سيرياستيبس
راما العلاف :
في الوقت التي تجتمع لجنة إعداد مسودة قانون مكافحة التسول في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، تتفشى ظاهرة التسول في شوارع دمشق بمدى أوسعَ وأساليب جديدة اتخذت في بعض صورها العنف والشتم والسلب منهجاً لها، الأمر الذي أعادته الأستاذة في قسم علم الاجتماع بجامعة دمشق الدكتورة حنان ديابي إلى تبعات الحرب على سورية.
ديابي أشارت إلى أن تغير أسلوب التسول مؤخراً يعود إلى ما تعرض له هؤلاء الأطفال من مشاهد عنف ورعب ودمار ولسوء الأوضاع الاقتصادية إضافة إلى غياب دور رقابة الأسرة التي في أغلب الأحيان هي من تشغلهم.
وأكدت أنها تواصلت مع العديد من المتسولين من مختلف الفئات والأعمار خلال دراسة سابقة أجرتها، حيث بيّن لها المتسولون ما دفعهم لاستخدام أسلوب التسول بالعنف قائلين: «بما أن الناس لم يعد يجدي معهم الاستعطاف والاستجداء ولا يشعرون بمعاناتنا فإننا مجبرون على استخدام العنف والشتم كسلوك، لأن أضعاف هذا العنف والشتم نتعرض له يومياً كعقوبة من مشغلنا (الأهل أو أفراد شبكات التسول) إذا لم نحصل على الكثير من المال إضافة إلى الحرمان من الطعام».
ورأت أن سوء الأوضاع الاقتصادية ليس مبرراً للتسول لأن هناك الكثير من الفقراء والمحتاجين فعلاً إلا أنهم لا يتسولون، معتبرة أن تغيير مكان الإقامة والبعد الاجتماعي للمتسولين يعطيهم حرية أوسع حيث إنهم مجهولون في المكان الجديد.
وأوضحت أنها التقت العديد من الفتيات تتراوح أعمارهن بين 13حتى 15عاماً في معاهد الأحداث ومراكز الإيواء المؤقتة خلال دراسة أخرى أجرتها في حلب ودمشق، وجدت خلالها أن أغلب الحالات قد تعرضت للتحرش الجنسي والاغتصاب أثناء تسولها إضافة إلى التقائهن في هذه المعاهد بالفتيات الجانحات ممن امتهن الدعارة ما يدفعهن لامتهان هذه المهنة لاحقاً عوضاً عن التسول أو تزامناً معه، لأنها أكثر ربحاً، وذلك خارج عن نطاق العيب والحرام في نظرهن بعد أن سقطت جميع الاعتبارات الأخلاقية والدينية لديهن وأصبح ذلك مجرد مهنة.
ورأت ديابي أن الحل يتطلب تضافر جهود وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل مع وزارتي التربية والأوقاف ومنظمات وجمعيات المجتمع المدني، مؤكدة دور هذه الجمعيات في رعاية الأيتام والطفولة ومحاربة التسرب المدرسي، وأيضاً ضرورة سد الحاجة المادية للأفراد لأن هناك متسولين محتاجون فعلاً وهي النقطة الأهم التي يجب الانطلاق منها من خلال تأمين فرص عمل وبدائل مجزية تبعد المتسول عن هذه المهنة وتسد حاجته، كما يجب إعادة النظر في قانون عمالة الأطفال وخاصة أن أجور الأطفال غير مجزية أبداً ما يدفعهم للتسول لأنه أربح وأسهل.
بدورها أكدت مديرة الشؤون الاجتماعية والعمل بدمشق دالين فهد ف : أن ظاهرة التسول من الظواهر الاجتماعية الخطيرة التي يعاني منها الفرد والمجتمع على حد سواء والتي ينجم عنها الكثير من الآثار السلبية في جميع القطاعات في أي مجتمع تكثر فيه هذه الظاهرة.
ولفتت إلى تفاقم هذه الظاهرة خلال سنوات الحرب على سورية وتبعاتها وتداخلت مع ظواهر أخرى مثل الانفصال الأسري وتبعاته على الأطفال والتشرد إضافة إلى حالات المسنين العجزة وفاقدي العقل والإدراك المتروكين، فمنهم من تسول بسبب الفقر ومنهم من اتخذها مهنة سريعة لجني المال ومنهم بدأت بفقر وتحولت لمهنة، وبالنسبة للأطفال ففي معظم الأحيان يكون أهلهم هم من يقوم بتشغيلهم بالتسول أو بأعمال مشابهة للتسول كبيع (المحارم- الورد- العلكة…) على إشارات المرور بحضورهم كمراقب من بعيد.
وأشارت فهد إلى أنه في بعض الأحيان قد تتحول سلوكيات الأطفال المتسولين إلى عدائية بهدف الحصول على ما يريدون وفي الأغلب يستخدمون أساليب التعاطف كقولهم بأنهم معيلون لأسرهم وأن والدهم متوفى وذلك لإقناع المارة بشراء المادة أو لإعطائهم مبلغاً من المال وبالتالي هذه السلوكيات مكتسبة من بيئة الشارع والأشخاص معهم في الشارع.
وبيّنت أنه عند ضبط أي حالة تسول من قسم الشرطة بالتنسيق مع مكتب مكافحة التسول يتم تنظم ضبوط شرطية بحقهم وتعرض على القضاء لإحالتهم إلى إحدى دور الرعاية الخاصة حسب أعمارهم ووضعهم الصحي وبعد وضعهم في دور الرعاية يتم تقديم الدعم النفسي كحاجة أساسية تعد من الأولويات.
وأوضحت أنه بعد تنظيم الضبوط والانتهاء من الإجراءات القانونية يتم تحويل البالغين إلى دار تشغيل المتسولين والمتشردين بالكسوة، والأطفال إلى جمعية حقوق الطفل جمعية دفى (للذكور والإناث) وبالنسبة للمسنين وحسب حالتهم الصحية يتم إيداعهم لدى دار الكرامة التابعة لمحافظة دمشق، وحالات الإعاقة يتم إيداعهم لدى جمعية جذور معهد الإعاقة الذهنية، كاشفةً أن عدد العاملين في مكتب مكافحة التسول عاملان ورئيسة مكتب فقط، بسبب تسرب الكوادر الموجودة، مؤكدة أنه غير متناسب مع حجم العمل.
وأكدت فهد في ختام حديثها أن ملف التسول ملف حكومي يتضمن تكاتف الجهات الوزارية كاملة إضافة إلى التعاون مع المجتمع الأهلي للحد من هذه الظاهرة.