سيرياستيبس
قسيم دحدل :
في معرض تقويمه للسياسات النقدية والمصرفية في سورية، طرح الدكتور رازي مُحي الدين عضو اتحاد الاقتصاديين العرب، سؤالين جوهريين اثنين، لعل في الإجابة عليهما يكمن الخلل النقدي والمالي، وبالتالي تحديد الأسباب التي أوصلت اقتصادنا الوطني إلى ما هو عليه من تراجع حاد بلغ مستوى الخطر الحرج إن جاز التعبير، حيث معدلات التضخم العالية جداً ومؤشراته القاسية في مختلف الجوانب تشهد على ذلك.
في إجابته على السؤال الأول، وهو: هل أدت عمليات تقييد الاستيراد والتصدير لتحقيق أهدافها المتمثلة بمحاربة التضخم وتخفيض العجز التجاري واستقرار سعر الصرف، أم أنه حقق نتائج عكسية تماما ؟؛ يقول محي الدين: إن المتتبع للقضايا المتعلقة بمنصة الاستيراد، يتضح له كيف تم تجميد سيولة المستورد من ثلاث إلى خمس أشهر مع اضطراره إلى دفع ثمن بضاعته من مرة ونصف إلى مرتين من قيمتها بالدولار مع عدم وجود تنافسية، وهذا ما أدى وبشكل منطقي ورقمي إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني في السوق، حيث نجد الكثير من أسعار السلع في سورية أعلى من مثيلاتها في الدول المجاورة، وفوق ذلك انتشار ظواهر السلع غير المجمركة وخاصة بما يتعلق بالموبايلات وأجهزة الحاسوب.
في حين عند مراقبتنا للميزان التجاري السوري، نجد أن العجز التجاري لا يزال شبه مستقر حول 4 مليار دولار، وأن الصادرات السورية تتراجع بسبب ارتفاع التكلفة وانخفاض الإنتاج، كذلك عند مراقبتنا لسعر صرف الليرة السورية وجدناها في تراجع حاد، وبالتالي فإن الممارسة الفعلية لقرارات المنصة أدت لتضخم الأسعار بشكل كبير ولم تؤدي لتثبيت سعر الصرف أو دعم الصادرات .
وبالانتقال إلى السؤال الثاني: هل أدى سحب السيولة من السوق إلى تجفيف منابع المضاربة على الليرة السورية، أم أدى لانتقال الأموال من أصحابها الحقيقيين في الاقتصاد النظامي إلى الأفراد في اقتصاد الظل والمضاربة والتهريب؟، قال: يجب أن نعرف أولا أن المصارف التجارية هي اللاعب الأهم بعرض النقود وليس المصرف المركزي، من خلال قدرتها على خلق وتوليد النقود عبر عمليات الإقراض المصرفية، بمعنى آخر في حال قام المصرف المركزي بطباعة مليار ليرة ونشرها في الاقتصاد (بعيدا عن الجهاز المصرفي) يبقى عرض النقود مليار ليرة، ولكن في حال قام بإدخالها جميعها إلى الجهاز المصرفي فقد تصبح هذه المليار قرابة خمسة إلى عشرة مليارات ليرة سورية حسب نسبة احتياط الودائع الإلزامية، وهي تعادل قيمة الودائع تقسيم نسبة الاحتياط الإلزامي، فإذا كانت النسبة 5% تصبح الكتلة النقدية عشرين ضعف.
وهنا للتأكد من صحة هذه المعادلة (وبسبب غياب الأرقام الرسمية لعرض النقود بسورية)، قام محي الدين بعدة خطوات: أولها، تقدير كمية زيادة عرض النقود نتيجة طباعة المصرف المركزي النقود لتمويل عجز الموازنة، مبينا أن حجم عجز الموازنة التقديري السنوي لعام 2023، قد بلغ نحو 4.8 تريليون ليرة (دون التطرق لعجز الموازنة الشهري قصير الأجل نتيجة الفرق بين تاريخ الإنفاق وتاريخ الإيرادات التي تكون عادة متأخرة عدة أشهر)، وبلغ حجم الديون المحلية من خلال التمويل بإصدار سندات الخزينة قرابة 354 مليار ليرة سورية وبمعدلات فائدة قرابة 10% ، ونلاحظ أن نسب الاكتتاب تتراجع بشكل كبير رغم وجود فوائض نقدية كبيرة في المصارف السورية، لكن انخفاض معدلات الفائدة أفقد المصرف المركزي إمكانية الاستفادة من هذه الأداة بشكل فعال.
أما فيما يتعلق بطباعة النقود الجديدة وحسابها، فقال أنها تحسب من خلال المعادلة: (عجز الموازنة – التمويل بإصدار السندات جديد + قيمة السداد للسندات القديمة المصدرة في السنوات السابقة – أخذ قروض دولية جديدة + سداد قروض دولية قديمة)..
وعليه وبفرض أن السداد للسندات الحكومية القديمة التي أصدرت بعام 2020 وبعده، لم تسدد حتى تاريخه، وحسب التقارير الإعلامية العالمية والدولية، لم تحصل سورية على أي قروض أجنبية جديدة أو رفع سقوف القروض القديمة، لا بل على العكس تظهر التقارير التي تنشر بالدول الخارجية، مطالبتها لسورية بسداد الديون التي عليها، وبالتالي يمكن تقدير أن الكتلة النقدية الورقية الجديدة لعام 2023 تعادل قرابة 4 تريليون ليرة سورية.
الخطوة الثانية، تتمثل بتقدير قيمة الزيادة بعرض النقود نتيجة زيادة الإقراض والتمويلات بسبب إلزام المصرف المركزي الاقتصاد النظامي على إيداع أمواله بالمصارف، وهنا يبين محي الدين أنه ومن خلال تحليل بيانات ثلاث بنوك إسلامية في سورية نجد أن حجم التمويلات زاد في عام 2023 بنحو واحد تريليون ليرة، وهذا الحجم مرتبطة أساسا بنتيجة زيادة التأمينات النقدية لديها والحسابات الجارية من الاقتصاد النظامي (الحكومي والشركات المساهمة والمشتركة).
وفي حال أضفنا لهم حجم التمويلات الجديدة في المصارف الحكومية (لا يوجد بيانات)، والمصارف الخاصة التقليدية (لم يتم إفصاح كامل البنوك)، ووفق دراسات تاريخية سابقة فإن عرض النقود M2 يبلغ ضعف عرض النقود M1 :(يشمل العرض النقدي M1 تلك الأموال ذات السيولة العالية مثل النقد والودائع القابلة للتحقق (عند الطلب) والشيكات السياحية. ويعتبر عرض النقود M2 أقل سيولة بطبيعته ويشمل M1 بالإضافة إلى المدخرات والودائع لأجل وشهادات الإيداع وسوق المال الصناديق)، بمعنى أن زيادة الكتلة الورقية النقدية 4 تريليون ليرة سيؤدي إلى زيادة مماثلة أخرى بالحسابات البنيكة وتصبح الزيادة النقدية قرابة 8 تريليون ليرة، وهذا يتوافق أيضا مع الزيادة الكبيرة في الحسابات الجارية والودائع حيث زادت عام 2023 في ثلاثة بنوك سورية فقط، أكثر من 3 تريليون ليرة سورية.
وللتأكد من المعلومة بطريقة أخرى؛ فإن المعادلة الاقتصادية للموازنة بين الكتلة النقدية والسلع هي كما يلي: (الكتلة النقدية ضرب سرعة دورانها تساوي السلع ضرب أسعارها). وبحكم أن سرعة دوران النقود بسورية في تراجع نتيجة تقييد عمليات السحب والإيداع وبسبب الركود الاقتصادي، ونتيجة زيادة أحد طرفي المعادلة بالتضخم، فإنه حتما هناك زيادة بعرض النقود تعادل زيادة التضخم.
المصدر:
http://syriasteps.net/index.php?d=131&id=197365