سيرياستيبس
ريم ربيع :
خجولاً كان حضور الزراعة بثقلها الاقتصادي والاجتماعي ضمن نقاشات ملتقى الحوار الاقتصادي الذي جعل من الزراعة والصناعات الغذائية عنواناً عريضاً له، فرغم الاستعراض الذي قدمه بعض القائمين على القطاع من أهمية ومشاكل وأسئلة، إلا أن الحضور الطاغي للصناعيين والتجار في الملتقى واستغلالهم للحضور الاقتصادي الحكومي حيّد الحوار في معظم الوقت لصالح الاستيراد والتصدير ومشاكل قطاع الأعمال، التي تلامس بدورها جانباً من مصير التصنيع الزراعي لكن ليس في الجوهر، الأمر الذي استدعى التذكير عدة مرات خلال الملتقى أن الهدف منه ليس تشجيع الاستيراد بل الزراعة وتصديرها!
الملتقى الذي جمع تمثيلاً واسعاً من القطاعين العام والخاص بحضور رئيس الحكومة، طرح عشرات الأسئلة والمقترحات وأعاد تشخيص مشاكل ومعوقات تكررت لأعوام، بنيّة استثمار وتطوير الصناعات الغذائية التي وصفها أحد الحضور بـ”الحيلة والفتيلة” المتبقية، في الوقت الذي أكد فيه رئيس الحكومة المهندس حسين عرنوس أن الحلول عبر تكامل كل القطاعات وليس فقط بالاعتماد على الحكومة بكل شيء، عبر قوله: “أتمنى فك صرة الأموال المخبأة لدى الكثيرين والدخول الفاعل بالصناعة والاستثمار”.
عرنوس الذي فضّل خلال القسم الأول من الحديث الاكتفاء بالاستماع لما يطرح، بدا وكأن إصرار الكثير من الحضور على تكرار سيناريو تكاليف الإنتاج العالية وضعف المنافسة قد حرّضه للتدخل ليوضح حقيقة تلك التكاليف من وجهة نظر الحكومة، موضحاً أنه يتم دعم الفلاح وصناعي المواد الغذائية بمازوت بسعر مخفض، وكذلك دعم مشاريع الري، مما يخفض تكاليف الإنتاج، فيما لا تقارب أجور العامل في المصانع ما يتقاضاه العمال بالخارج، ولكن هل يقبل التاجر أو الصناعي أو المصدر بنسبة ربح تنافسية؟ فمثلاً حوامل الطاقة بتركيا المنافسة بالأسواق العربية أعلى بـ30% من أية دولة، فكيف تحافظ على منافستها؟ موضحاً أن الصناعة لا يجب أن تكون قائمة على دعم الدولة فقط، وليتحمل كل طرف مسؤوليته.
وأضاف المهندس عرنوس، تشكو المعامل أنها لا تعمل سوى بـ15% من طاقتها لذلك تحمل كل التكاليف على هذه النسبة، وهنا دور الحكومة بتأمين الطاقة والمحروقات للعمل بكامل الطاقة التشغيلية لتخفيض التكاليف، وهذا من أولويات الحكومة بالقطاع الصناعي، كما يوجد عوامل كثيرة بيد فريق كامل (حكومة، منتج، فلاح) ليكون رئيس الحكومة وحده من تساءل عن غياب اتحاد الفلاحين عن الملتقى، ليأتي رد المنظمين: دُعي ولم يحضر، وفي تعقيب على الطروحات المتعلقة بالفساد في توزيع المحروقات المدعومة وعدم وصولها لمستحقيها، أكد عرنوس أنه يتم العمل للوصول إلى تكاليف واضحة للجميع لتصبح المنافسة بأموالهم وليس بأموال الدولة.
وضمن إجابات وتعقيب على ما ورد من طروحات، أشار عرنوس إلى أن التضخم وتغير سعر الصرف عالمي وليس فقط محلي، لكن يضاف لدينا صعوبات الحرب والحصار، والدولة لا تقف متفرجة، لكن أيضاً لا يمكن القبول بأن يصبح كل صناعي تاجر أو العكس، داعياً الجميع للاستثمار بالقطاع الزراعي وضخ الأموال بتمويله، فالزراعة التعاقدية مجازة بالقانون ولا تحتاج تشريع خاص، وفيما طرح خلال الملتقى تراجع مساهمة الزراعة بالناتج المحلي بين عامي 2017-2022 رأى عرنوس أن هذا غير دقيق، فالزراعة لم تتراجع لكن مساهمة الصناعة والتجارة عاودت انتعاشها وارتفعت قياساً بالزراعة.
وأكد عرنوس أن الدولة تشجع الصناعيين المغتربين للعودة وتقدم لهم كافة التسهيلات، وزيادة عدد المنشآت الصناعية دليل نشاط وليس هجرة صناعيين كما يتم الحديث، فالاستثمار متاح لمن هو بالبلد أولاً ثم المغتربين ثم الأصدقاء، كاشفاً عن دراسة مع الجانب الصيني لمشروع مزارع ريحية لإنتاج 2500م.و من الكهرباء، وتساءل عرنوس بما يتعلق بالضرائب: كيف تريدون للدولة تأمين واردات للإنتاج والموازنة إن لم تمد يدها لجيوب رعاياها وهي محفظتها كما هو معروف بكل العالم.
بدوره، أخذ المرسوم 8 حيزاً من النقاش والاعتراضات، لينضم رئيس الحكومة لآراء الكثيرين بضرورة تعديله ودراسته، مع التحفظ على بعض المخالفات التي ستشدد عقوبتها ولن تخفف، لكن لا يمكن تعميم الشذوذ، ولا بد أن تتناسب العقوبة مع المخالفة، كذلك يوجد تعديلات قريبة بما يتعلق بالتعامل بالقطع الأجنبي، لكن من لا يحترم دور العملة المحلية ليس له مكان أو دور، مخاطباً قطاع الأعمال: حرروا أموالكم لمصلحة الاقتصاد، فبدلاً من الاستثمار بقطاع العقارات الذي يوظف أموالاً هائلة، وتجميد المال بالقطع أو الذهب، استثمروه بالزراعة، فمن غير الصحيح تعوّد الناس على أبوية الدولة التي كانت قائمة سابقاً، ومقابل الطلبات الكثيرة يجب أن نجد عطاء من جانبكم.
بدوره وزير الصناعة عبد القادر جوخدار اعتبر أن الدعم الحكومي يعكس اهتمام الدولة لتعزيز الزراعة والتصنيع الزراعي لتحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي، وهو أمر يحتاج تكامل القطاع العام والخاص، فاستراتيجية الصناعة تتضمن تبني التكنولوجيا والحد من الهدر، وتطوير صناعة مستلزمات الري الحديث، وتطوير مواصفات الصناعات الغذائية، وتعزيز التعاون مع المنظمات الدولية، إضافة للبنية التحتية للجودة ومراكز الاختبارات، والتشاركية بالخطط مع وزارة الزراعة.
أما وزير الزراعة حسان قطنا أكد أن الزراعة أصبحت مصلحة وطنية عليا لتجاوز الأزمات، فقطاع الزراعة إنتاجي تنموي تنافسي قادر على تحفيز القطاعات الأخرى لتحقيق الأمن الغذائي، موضحاً أن تزايد مساهمة القطاع بالناتج المحلي بالأسعار الجارية وانخفاضها بالأسعار الثابتة تدل على تأثر المنتج الزراعي بدرجة أقل بالتضخم نتيجة الدعم الحكومي، مما يعني أنه القطاع الأكثر قدرة على الاستمرار، كما أن الصادرات الزراعية تشكل 80% من حجم الصادرات، لكن يحتاج القطاع لتطويره موارد أرضية ومائية وبشرية، وصناعة، ونظام تسويق متكامل، وخدمات وبنى تحتية.
وأضاف قطنا أن إنتاجنا الزراعي يتم تسويقه بشكله الخام محلياً وخارجياً، فكيف ننتقل من تصدير المنتج الخام للمنتج المصنع لتحقيق قيمة مضافة، وفيما طرح قطنا التساؤل الأبرز بين الفلاح والصناعي: من يبدأ أولاً؟ فالفلاح ينتظر اتفاق وتمويل ليبدأ عمله، والصناعي ينتظر إنتاج ومادة أولية لينتج، جاء رد رئيس اتحاد غرف الزراعة محمد كشتو بأن التسويق الزراعي يبدأ قبل الزراعة بكل الدول، مضيفاً أن التصنيع الزراعي يحتاج تقاطع وتشبيك، وهو موجود لكن غير مقولب، فالحاجة اليوم لتشريع للزراعة التعاقدية، معتبراً أن القطاع الزراعي يعامل حتى اليوم كقطاع خدمات اجتماعية، وليس كقطاع اقتصادي بدليل غياب السجل الزراعي، فالتشبيك يجب أن يبنى على تكافؤ الفرص والمساواة، داعياً لأن تكون سياسات التصدير والاستيراد مدروسة مسبقاً لتبنى عليها استراتيجيات واضحة.
المصدر:
http://syriasteps.net/index.php?d=131&id=197388