سيرياستيبس
ريم ربيع
كثيرة هي الأسئلة المطروحة حول آلية اتخاذ القرارات ووضع الاستراتيجيات
في المنظومة الحكومية، سواء على مستوى الحكومة ككل، أو حتى الوزارات
“فرادى”، إذ يترك الشرخ الكبير والمتزايد ما بين الحكومة والمواطن الفرصة
للتأويل والتشخيص، وخروج بعض التحليلات التي “تستفز” جهات حكومية للاستيقاظ
من سباتها بهدف النفي والشجب، لكن دون أن تقدّم شرحاً بديلاً يشبع حاجة
المواطن لمعرفة أسباب القرارات الممعنة في حرمانه من أبسط احتياجاته، فضلاً
عن تمدّد هذا الشرخ للوزارة أو المؤسسة ذاتها، لنجد آراء متناقضة في
المؤسسة نفسها تجاه قرارات متخذة من قبلها!
فما نلحظه من مناوشات في المؤسّسة بين الوزير والإدارات، أو بين الإدارة
والموظفين، يشي بتفكك وخلل واضح بأخذ القرار، أو حتى بإبداء رأي موحد
للمؤسسة تجاه قضية ما، إذ ذهب الإعلام، بقصد أو بغير قصد، لـ “نشر غسيلهم”
في عدة مناسبات، بحيث يصرح مدير بأمر ما، ليعاود الوزير أو مدير آخر نفي
تلك المعلومة بعد ساعات أو أيام، مرفقاً بـ “عتب” على الصحفي الذي سبق
ونشر، محملاً إياه مسؤولية الخطأ، ليتحول عمل الصحفي من التواصل مع جهات
عدة لاستقطاب آرائهم تجاه قضية ما، إلى محاولة الوصول لرأي موحّد ضمن
المؤسسة الواحدة، وكأن القرارات تُتخذ وتُبنى على الرأي الشخصي لرأس الهرم
في المؤسسة وليس على دراسات ونقاشات سابقة!
الأمثلة هنا كثيرة، من تصريحات وزارة الكهرباء المتعلقة بالتقنين، فمسؤول
يعد بالتحسّن وآخر ينفي، إلى وزارة التجارة الداخلية وتجاربها بالخبز، التي
يقدّم كل مدير فيها رأياً مختلفاً تجاه ما يُتخذ من قرارات أو نتائجها،
وحتى قرارات التصدير والاستيراد المتناقضة أحياناً في وزارة الاقتصاد، كما
انتقلت “عدوى التناقض” إلى القطاع الخاص والاتحادات والمنظمات المهنية،
لنجد رأيين لاتحاد الفلاحين تجاه تصدير زيت الزيتون، أحدهما مؤيد والآخر
رافض، وكذلك رأيين للصناعيين حول استيراد السيراميك، والأمر ذاته في موقف
رجال الأعمال من القرارات الحكومية، إذ يتخذ بناءً على مصالح شخصية على
الأغلب.
وفيما يربط كثيرون التشتّت الحكومي وغير الحكومي، والتخبّط في القرارات
ونتائجها، بغياب البيانات الدقيقة عن الساحة، رأى الأستاذ في الاقتصاد
الدكتور شفيق عربش أن الحكومة بمعظمها تهرب إلى الأمام من خلال اختراع
أرقام ليس لها علاقة بالواقع، فموضوع الأرقام جزء بسيط من مشكلة كبيرة،
تتمثل بالانفصال عن الواقع، وسواء توفرت الإحصاءات ستمنع الحكومة نشرها،
وإن لم تتوفر “ستخترع” بيانات من عندها، غير أن الواقع كشف وعرّى كل
الإجراءات، وسبب هذا التناقض الذي نشهده بالمؤسسات يعود للارتجال وعدم
الكفاءة.
وعن تصريح وزارة الاقتصاد الأخير حول زيادة الصادرات لهذا العام بما يتناقض
مع ما يقوله قطاع الأعمال، اعتبر عربش أن الواقع مختلف تماماً بما يتعلق
بالصادرات التي انخفضت، فلا يوجد بيئة مناسبة لإنتاج منافس أصلاً، مضيفاً:
طالما أن كلّ إجازات الاستيراد تمنحها الحكومة، وعملية التصدير أيضاً
مرهونة بالإجراءات الحكومية، فمن المفترض أن تكون جميع البيانات جاهزة، لكن
حتى بحال جهوزيتها فإن الحكومة تمنع نشرها منذ 2013 تقريباً، حيث استسلم
المكتب المركزي للإحصاء مخالفاً الصك التشريعي لإحداثه والذي أعطاه مهمة
إعداد إحصاءات البلاد بكل استقلالية، لكنه ارتهن للجنة الاقتصادية، وأصبح
متعذراً عليه نشر أي رقم إحصائي دون موافقتها.
وبيّن عربش أن المكتب عجز عن جمع الأرقام، وعرض أرقاماً متسقة ومنسجمة
ومتناغمة مع بعضها، فنجد تناقضاً غريباً أحياناً، وخاصة بالبيانات
الاجتماعية والسكانية، وهناك عدة مسوح أجراها المكتب بالتعاون مع هيئة
تخطيط الدولة وبرنامج الغذاء العالمي، لم تنشر نتائجها إلا متأخرة، ولم
تتمّ الاستفادة منها، أما ما يتعلق بميزان المدفوعات، فهو من مهام المصرف
المركزي، لذلك نجد أن جميع الجهات المساهمة بإعداد الأرقام الوطنية مقصّرة.
ورأى عربش أن هناك استخفافاً بالجميع عبر بعض القرارات، فعندما ننظر إلى
قرار أمس بتحريك أسعار المشتقات النفطية نحو الارتفاع، والتوضيح بأن
التكاليف ارتفعت فهذا كلام “مردود على أصحابه”، وهذه أرقام تدلّ على
محدودية الفكر الإداري، لأن العالم كله يشهد انخفاضاً بأسعار النفط الخام،
والسعودية خفضت سعر برميل الخام الخفيف لدول آسيا بحدود 3 دولارات، وخلال
الـ4-5 أشهر الأخيرة انخفض السعر بأكثر من 20%، ومع ذلك التكاليف ترتفع
بسورية فقط ويبقى الإصرار أن هذه الأسعار مدعومة!
وأوضح عربش أن هدف الحكومة ينحصر بأمرين أساسيين، هما الضغط للحفاظ على سعر
الصرف، والضغط لاستخدام أقل قدر متاح من القطع في العمليات الاقتصادية.
ومع ذلك هذه الأهداف لم تتحقق، وكل إجراءات المركزي الإدارية والقسرية لم
تضبط سعر الصرف، الذي ارتفع 150%، فالحكومة والمركزي يتدخلان بما يملك
المواطن من قطع وكيفية التصرف به، والسحب والتحويل وغيرها.
المصدر:
http://syriasteps.net/index.php?d=131&id=197524