سيرياستيبس :
جامعيات أو غير حاصلات على أي شهادة دراسية، يمتلكن خبرة أو جديدات على سوق العمل، في مقتبل عمرهن أو مُسنّات، جميعهن استطاع سوق العمل أن يحتضن حاجتهن للعمل وتأمين مصروف منازل ذويهن، فمع انعدام الخيارات أمام الشريحة الأكثر عدداً في البلد اليوم، واستحالة لحاق ربّ الأسرة وحده بركب الارتفاع الكبير بأسعار مستلزمات الحياة، سارعت الكثيرات للانضمام إلى سوق العمل بغضّ النظر عن طبيعته القاسية في الكثير من المطارح التي اعتادت شريحة الشباب على العمل بها، إلّا أن ظروف الحرب القاسية وما خلفته من قلّة في عدد الشباب شرعنت للكثيرات العمل في مهن ذكورية لغاية وحيدة، فكانت السيارة للبعض منفذاً للعمل كسائقة تكسي، في حين لجأت الكثيرات للعمل في ورشات البناء “عتالة الحجر والاسمنت” بأجرة يومية تسدّ رمقها ورمق أفلاذ كبدها، في حين اتجهت الكثيرات للعمل في المطاعم والمقاهي بصفة نادلات أو حتى طباخات.
تحدي المجتمع
ففي مجتمع لا زال البعض يدرجه تحت بند “المجتمع الذكوري” استطاعت المرأة
السورية فيه أن تقتحم الجدار الذي لطالما حاول الرجال تمكينه لمنع النساء
من الدخول إلى عالمهم والعمل في مهنهم التي تفردوا بها لسنوات طويلة، ولم
تكن نيّة الكثيرات منهن تحدي هذا المجتمع، لكن الحاجة والظروف المعيشية
القاسية التي فرضتها الحرب وما تبعها من ظروف معيشية فاقت طاقتهم فرضت
عليهن التوجّه إلى هذه المهن، ورغم الصعوبات والمضايقات التي تواجهها
الكثيرات خلال ممارستهن هذه الأعمال، إلا أن الإصرار على المضي في العمل
كان نصب أعينهن لتثبت المرأة السورية أنها قادرة على الإبداع وخدمة الإنسان
والمجتمع معاً.
تحديات العمل الخاص
وعلى الرغم من نجاح المرأة في الكثير من مطارح العمل التي كانت حكراً على
الرجال، إضافة لتفوقها في العمل الإداري في الشركات والمؤسسات الخاصة، إلّا
أنه لا زال هناك من ينتقد تبوأها مراتب وظيفية عالية، خاصّة وأن شريحة لا
بأس بها من الشباب في البلد يبحثون عن فرصة عمل في القطاع الخاص “بالسراج
والفتيلة” ويتهمن النساء باستحواذهن على الغالبية العظمى من مطارح العمل في
القطاع الخاص الذي لا يخلو من صعوبات لاحقت وتلاحق البعض منهن، ولاسيّما
أن مسألة التوظيف في الشركات والمؤسّسات لا تخضع لإجراءات مؤسسية واضحة،
مما يتيح فرصة لمدير الشركة أو المؤسسة لاستغلال نفوذه والتحرش بالنساء
العاملات أو المتقدمات لطلب العمل دون أي نوع من الحماية لهن، والذي انتهى
في الكثير من الأحيان بتفكك الأسرة ووقوع الطلاق، الأمر الذي تحدث عنه
المحامي “أحمد عثمان” فحالات عمل المرأة في القطاعات الخاصة زاد غيرة الرجل
أولاً من النظرة السلبية الموجودة في مجتمعاتنا عن العمل الخاص، وثانياً
ساعات الدوام الطويلة التي تسبّب انشغالات المرأة الخارجية والضغوط النفسية
التي تعاني منها عند رجوعها للمنزل، وما يحدث من إهمال للزوج والأبناء وإن
كان غير مقصود ما يجعل الرجل يهدّد بالطلاق وحالات التهديد هذه موجودة
كثيراً في مجتمعنا لأسباب عديدة ليس بالضرورة نتيجة عمل المرأة خارج
المنزل، مضيفاً أن خروج المرأة للعمل واستقلالها الاقتصادي يقف وراء معظم
المشكلات الزوجية، حيث ترى المرأة أنها تتعب وتشقى داخل المنزل وخارجه،
وبالتالي لها الحق في مالها وكامل الحرية في التصرف به، في حين يرى الزوج
أنه وأبناءه الأحق بهذا المال، لافتاً إلى أنه اليوم وفي ظلّ الضغوط
الاقتصادية هناك 70% من حالات الطلاق في مجتمعنا سببها الأساسي الحالة
المادية السيئة والنزاع على تأمين المعيشة، ومن نظرة قانونية فيما إذا كانت
هناك قوانين تمنع دخول المرأة معترك الأعمال الذكورية أو تلك الأعمال التي
ارتبطت بالذكور من القدم، كان رأي “عثمان” أن قوانين وأنظمة العمل السورية
لم تميّز بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، إنما كان هناك تمايز
إيجابي لصالح النساء كحظر تشغيلهن في أوقات معينة كالعمل الليلي والورديات
الليلية ومنحهن إجازة الأمومة والإرضاع، وهناك أمثلة كثيرة لإشغال المرأة
جميع المناصب، فهي اليوم استطاعت اقتحام الوظائف الشاغرة كأعمال الصيانة
والمرآب في القطاع العام.
عدم التفرقة
في المقابل تسعى وزارة التنمية الإدارية في رؤيتها إلى عدم وجود تفرقة بين
الجنسين من ناحية الجندر، فعملها على بناء القدرات البشرية “ذكوراً
وإناثاً” هدف جوهري لعملية التنمية الإدارية، وعتبة أساسية حيث يُعتبر
بلوغها شرطاً لازماً لتحقيق الأهداف الأخرى، فالقوى العاملة هي الحامل
الأول للقيام بالتغيير التنظيمي المُبتغى، وتحقيق التنمية الإدارية
بأبعادها المؤسساتية كافة، وهي الأداة التي تستطيع الوزارات والمؤسسات
والهيئات التابعة لها رفع كفاءة أجهزتها الإدارية، وزيادة فاعليتها في
تحقيق أهدافها وإنجاز مهامها، كما توجّه وزارة التنمية برامجها لكافة
الفئات وتعمل على التأهيل وبناء القدرات، بهدف رفع مستوى الكفاءة وتحسين
المهارات، ليتناسب مع حجم الدور والمهام والمسؤوليات المطلوبة منهم لتنفيذ
خطة التنمية الإدارية في جهته العامة، ورفع مستوى المعرفة الإدارية
والخبرات الفنية بمفاهيم التنمية الإدارية وأدوات التغيير التنظيمي.
قوانين للحماية
ولم ينفِ الخبير الاقتصادي إسماعيل مهنا أن الحاجة الاقتصادية دفعت أكثر من
70% من النساء للعمل اليوم وتتراوح أعمار هذه الشريحة ما بين العشرين
عاماً إلى الأربعين عاماً يعملن في مهن مختلفة موظفات في شركات خاصة أو
عاملات في مقهى وفي محال ألبسة أو في مطابع وورشات خياطة وغيرها، مشيراً
إلى أن المرأة لا زالت بحاجة إلى دعم معنوي ومادي لتتمكّن من الثبات
والوثوق بنفسها ككائن منتج وفعّال، حيث إنها لا تزال تشعر بالارتباك
والقلق، وأحياناً الخجل لكونها تعمل خارج المنزل، رغم ما تعانيه من إرهاق
جسدي ونفسي، إلى جانب ذلك نرى أنها تعاني من الخوف الاجتماعي رغم كل
الأعباء التي تقوم بها داخل المنزل وخارجه، منوهاً بأهمية إدخال المرأة في
سوق العمل في كلا القطاعين، فكثير من المهن لا يمكن الاستغناء عن وجود
المرأة بها، والعكس صحيح، فوجود كلا الجنسين في العمل يحقق نوعاً من
التوازن الصحيح، لذا من المهمّ اليوم الخروج من دوامة الحلول المؤقتة، وأن
تتشارك الحكومة مع القطاع الخاص بوضع خطة لترتيب وتوجيه مخارج العمل ووضع
قوانين حماية للمرأة في القطاع الخاص والمهن التي لم تكن تعمل بها سابقاً.
يُذكر أن اليوم العالمي للمرأة، الذي يحتفل به عالمياً في 8 آذار من كلّ عام، دائماً ما يشكّل مناسبةً للتنويه بالإسهامات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية القيّمة للمرأة، كما يضيء على ما تعانيه، مع الدعوة للعمل والالتزام بمستقبل عادل ومنصف لها.
ميس بركات
المصدر:
http://syriasteps.net/index.php?d=127&id=198156