سيرياستيبس
ميس بركات
خلافاً لقطاعات الصناعة التي يعتمد القائمون عليها، في كل دول العالم، على تحميل أي زيادة – كبيرة كانت أم صغيرة – في تكاليف الإنتاج على سعر السلعة، ما زال صناعيو سورية في حالة سبات وترقب، لعلّ وعسى أن الحكومة تسمع مطالبهم وتنتشل هذا القطاع المهمّش اليوم أكثر من السنوات السابقة، فعلى الرغم من علو مناشدات صناعيي حلب في الأسابيع الماضية بتخفيض أسعار الكهرباء عليهم، ولاسيّما أن تكاليف الكهرباء من الحصة الإجمالية للإنتاج تمثّل تحدياً يواجه استدامة هذه الكيانات التصنيعية، إلّا أن أحداً لم يحرك ساكناً، ليصل مدّ هذه المطالب إلى صناعيي دمشق وريفها الذين بدورهم أكدوا خلال لقاءاتهم الأخيرة أن ما يجري اليوم هو حرق لآخر وميض في طريق صناعتنا، ولاسيّما أن تفكير الصناعي اليوم خرج من دائرة الإبداع والابتكار لجهة تطوير صناعته وبقي محصوراً في “ترقيع” الصناعة والصمود في هذا السوق دون خسائر.
الكيميائية أولاً
ركود الصناعة وخروجها من حلبة المنافسة الدولية والعالمية نتيجة ارتفاع
تكاليف الإنتاج، وبالتالي ارتفاع السلعة وانخفاض المبيعات ومنافسة البضائع
“المهربة” بجودتها وسعرها أفقد رغبة الكثيرين بالاستمرار في العمل، بالأخص
أمام عدم وجود دعم مالي حكومي، ليؤكد تيسير دركلت “رئيس منطقة العرقوب
الصناعية في حلب” في تصريح لـ”البعث” أن المطالب التي أطلقها صناعيو حلب
مؤخراً هي مطالب الصناعيين في كل سورية، فالجميع يملك الهاجس نفسه، والدليل
على ذلك أن غرفة صناعة دمشق طالبت عبر لجنة الصناعات الكيميائية بالمطلب
نفسه، ولفت دركلت إلى ضرورة التمييز في موضوع الكهرباء بحجم دخولها في كلفة
المنتج التي لا تتعدى الـ 10% وبين تشغيل المنتج “أجور الإنتاج” والتي تصل
إلى 60%، ناهيك عن حوامل الطاقة الأخرى من “المازوت والفيول” والتي ترتفع
أسعارها بنشرات لا نعرف مسبّباتها كارتفاعها من يومين مثلاً رغم أن سعر
الفيول عالمياً مستقر، وحول أكثر القطاعات المتضررة لفت دركلت إلى أن جميع
القطاعات يلحقها الضرر لكن بنسب مختلفة ويأتي في المقدمة القطاع الكيميائي
والنسيجي الذي يحوي المصابغ وعمليات تحضير الخيط والقماش، ثم يليه القطاع
الهندسي والغذائي بنسب معينة حسب استخدام الطاقة.
صفر المنافسة
ولم ينفِ رئيس منطقة العرقوب الصناعية خروجنا من المنافسة محلياً، إذ أن
كلفة مبيع المنتج المهرّب اليوم هي أقل من كلفة منتجنا، لافتاً إلى أن
الحلّ يكمن في أن تستجيب الحكومة لاستغاثات الصناعيين وتعيد دراستها بما
يتناسب مع التكاليف الحقيقية، مشيراً إلى أن الكثير من دول الجوار لا تدعم
الكهرباء كالأردن ولبنان وتركيا ومصر التي تتوفر بها الكهرباء على مدار 24
ساعة وبسعر يصل إلى ربع سعرها في بلدنا، وبالتالي فإن الحل يكمن بضرورة
استجابة الحكومة لمطالبنا وإلاّ فإن صناعتنا في طريقها للاندثار، إذ لا
يمكن لصناعي أن يُنتج شيئاً يعلم أنه لن يُباع، خاصّة وأننا فقدنا الحضور
في السوق الخارجي كما أننا محاطون بدول لديها باع طويل بالصناعة مثل تركيا،
ناهيك عن أننا لم نستطع منافسة الدول التي دخلت حديثاً للإنتاج.
إغلاق وبيع مدخرات
وعلى الرغم من أن النهاية التي وصلت لها صناعتنا رسمتها السنوات العشر
الأخيرة، إلّا أنه وبرأي دركلت كانت الحكومة ولا زالت مُصرّة على اعتبار
الصناعيين طرفاً مغايراً لها بدلاً من أن يكونوا شركاء بكل قرار يخصّ
قطاعهم لا فرض أي تسعيرة لا تناسبهم دون تبليغهم، إذ كان من الواضح لنا
جميعاً منذ عام الـ2015 أننا سنصل للتضخم وارتفاع تكاليف الإنتاج وكساد
الأسواق في حال لم نتخّذ إجراءات معينة، وللأسف فقد وصلنا، لافتاً إلى أنه
اليوم ومنذ إصدار الدورة الجديدة بدأت الكثير من المعامل بالإغلاق، كما قام
البعض ببيع أملاك أو الاستدانة أو الصرف من مدخراتها لتستطيع “تسكير”
فواتير الكهرباء، إضافة إلى بقاء البعض رغم كل الصعوبات والعقوبات
بالاستمرار لتصدير أي قطعة صناعية وجلب قطع أجنبي للبلد في الوقت الذي تجهد
به الحكومة عبر قراراتها لتحويلنا إلى بلد مستورد مستهلك، وهذا الذي لا
نسمح به في بلد يملك العراقة والأصالة في الصناعة.
غياب التنسيق
ولم يختلف واقع الصناعة في دمشق وريفها عن حلب، إذ أكد ماهر الزيات عضو
مجلس إدارة غرفة صناعة دمشق وريفها في تصريح لـ “البعث” أن ردّ وزارة
الكهرباء بتخفيضها ارتفاع أسعار الكهرباء بحسب رغبة الصناعيين سيكلّفها
الكثير، وبالتالي ستخسر، لافتاً إلى أن غالبية مؤسسات الدولة تستهلك بقدرة
كبيرة كونها لا تدفع ثمنها، لكن هذا لا يعني أن يتمّ تعويضها من المعامل،
ولم يخف الزيات أن فاتورة بعض المعامل ارتفعت من ١٨٠ مليوناً إلى ٥٢٠
مليوناً خلال ثلاثة أشهر وللاستهلاك نفسه، وبالتالي فإن ارتفاع الفاتورة
هذه يؤدي إلى ارتفاع التكلفة بشكل جيد وإلى خروجنا من الدول المصدّرة لنصبح
دولاً مستوردة، وأشار عضو مجلس الإدارة إلى عدم وجود تنسيق بين الوزارات،
فكلّ يغني على ليلاه، الأمر الذي يصبّ بالويلات على الصناعيين، ناهيك عن
الضرائب التي تصل إلى 20% وإضافات أخرى تصل إلى 10%، وعن رد الحكومة على
مطالبهم بخفض سعر الكهرباء أكد الزيات أن الحكومة لا تتراجع عن قرارات رفع
السعر رغم ما تشاهده من انهيار وهروب وعزوف الكثيرين عن الصناعة.
المصدر:
http://syriasteps.net/index.php?d=136&id=198415