سيرياستيبس :
كان ينظف واخوته الصغار واجهات المحلات التي اجبرته على استخدام الكرسي للوصول إلى الأماكن المرتفعة لتنظيفها إلا أنه لم يستطع تجنب سقوطه على الأرض وتعرضه لبعض الرضوض التي لم تمنعه من متابعة عمله رغم آلامه، لكنه لم يبك من الأوجاع بل من خوفه أن يُطرد من العمل ويخسر أجره الأسبوعي، فصاحب العمل، حسب كلام الطفل عدي، ذي العشر سنوات “قاس ولا يبالي بوضعه أو قدرته على العمل، بل يستطيع أن يطرده في آخر الأسبوع دون أجر”.
حالة عدي أحد الأمثلة التي تنذر بخطر حقيقي يواجه الأطفال ممن حرمتهم الحرب مواصلة التعليم واضطرتهم للعمل بسبب التهجير أو فقدان المعيل أو سوء الظروف الاقتصادية، فهل الجهات المعنية غافلة عن وضعهم في ظل تزايد أعدادهم في الشوارع، وهم منقسمون بين متسولين وعمال يُمارس عليهم أبشع أنواع الظلم والاستغلال؟ أم نعد العدة لإعادة رسم بوصلة مستقبلهم بخطط إغاثية سريعة تحمي مستقبلهم ومستقبل البلد؟
وبالرغم من القهر والحزن لدى عدي، فهو أفضل حالاً بمقارنته مع الطفل زياد ذي الثماني سنوات الذي يجوب المنازل ليقدم خدمة ترحيل القمامة من المنازل مقابل مبلغ زهيد يعود لكرم الناس، وبالرغم من تقديمه الخدمة بطريقته البريئة “عندكم زبالة ؟” إلا إنه يلقى التعنيف والرفض في بعض الأحيان مع التنبيه بعد طرق الباب مرة أخرى، ومرات قليلة يلقى من يكرمه ببعض الليرات مقابل الخدمة،وهناك ايضاً من يعمل في الميكانيك والحدادة والبناء ومحلات “الكومجية”، فهل يبقى أطفالنا عرضة للضغوط الاقتصادية والاجتماعية؟ وهل نأمل بجيل معافى نفسياً بعد كل هذه المعاناة؟
عمالة الأطفال حسب ما اوردت جريدة البعث من أكثر الظواهر التي نعاني منها خلال الأزمة، وتزداد هذه المشكلة تعقيداً مع مرور الزمن لعدم وجود إحصاءات رسمية دقيقة لها، أو وجود أرقام منخفضة لا تعبر عن واقع الظاهرة، وتدل على ضعف في جهاز تفتيش العمل في ضبط حالات تشغيل الأطفال، ففي جميع أنحاء العالم تشير الدراسات إلى وجود حوالي 150 مليون طفل في ميدان العمل تتراوح أعمارهم بين 5 سنوات و14 سنة، ويعمل معظمهم دواما كاملا، ولكن بسبب الحرب والظروف الاقتصادية زاد عدد الأطفال الذين يعملون ولا يوجد أي احصائية حول ذلك، فقبل الحرب كانت الزيادة في عمالة الأطفال تتراوح بين 5 إلى 10%، وكانت محصورة حوالي 80% بسن ما فوق الخامسة عشر، أما الآن وحسب الخبراء أصبحت الفئة العمرية بين 8 إلى 18 سنة ونسبة زيادة العمالة حوالي 20%.
تعليم مهني جذاب
خلال البحث عن الدوافع والأسباب التي تدفع الأسر لتشغيل أبنائهم، تمت
مناقشة خطة وطنية للقضاء على أسوأ أشكال العمالة التي تطال الأطفال دون 15
سنة، وطبيعة الأعمال التي لا تناسب الأطفال. ومن أهم الحلول الإستراتيجية
لمواجهة عمالة الأطفال تفعيل دور التعليم المهني من سن 12 سنة، وهو سن
التسرب من المدارس، بحيث يكون تعليما مهنيا إنتاجيا يستهدف الطفل للتدريب
والتأهيل ليكون له عمل مناسب ومراقب، ويتلقى مقابله أجراً مادياً مناسباً،
بالإضافة إلى وجود دعم لمراقبي عمالة الأطفال من وزارة الشؤون بزيادة عددهم
بما يتناسب مع ازدياد هذه الظاهرة، ودعمهم بإمكانيات وقوانين جريئة وحازمة
قد تصل إلى الإغلاق وتغريم أصحاب المعامل والورش المخالفين لقوانين تشغيل
الأطفال، وإلحاق الأطفال بمعاهد سريعة وآنية لتعليم الطفل وتمكينه قبل
إعادته إلى سوق العمل.
التعاون بين الأهل والجهات المعنية هو أول حلقات القضاء على عمالة الأطفال؛
والتزام الأهل بعدم تشغيل أبنائهم قبل السن القانونية لعملهم تعطي نتائج
طيبة وصحية على المجتمع بشكل عام، بالإضافة إلى ضرورة توعية الأهل بمخاطر
تسرب الأطفال من المدرسة وتشغيلهم في سن مبكرة، الأمر الذي يعرضهم إلى ظروف
قاهرة يتم فيها استغلالهم جسدياً وربما جنسياً، عدا عن حتمية انحرافهم
أخلاقياً واجتماعياً .
المصدر:
http://syriasteps.net/index.php?d=127&id=198444