دمشق - سيرياستيبس :
في حديثه أمام اللجنة المركزية لخزب البعث قال الرئيس بشار الأسد أنه يجب أن نسعى لتطوير نظام مالي للحزب فعال وشفاف
وقادر على مكافحة الهدر والفساد، موضحاً أن الأولوية بالنسبة لنا هي لإعادة
تعيين مكتب مالي ومسؤول مكتب مالي في القيادة المركزية، وسيكون هناك دور
مهم للجنة الرقابة والتفتيش التي سنعمل على تفعيلها، خاصة وأنها تتبع
مباشرة للأمين العام، لتلعب دوراً في الرقابة المالية من جانب، ولكن – وهو
الأهم – ستقوم أيضاً بمتابعة الأداء بشكل عام، فمن مهامها متابعة أعمال
المؤتمرات، وبالتالي ما سيقر في هذا الاجتماع الموسع ستتم متابعته أيضاً من
قبل لجنة الرقابة والتفتيش.
وأكد أن هذه عناوين أولويات، ولكن هناك عناوين أخرى كثيرة طرحها على شكل
أسئلة لأن الإجابة عليها هي التي ستحدد الشكل المؤسسي لحزبنا في المرحلة
القادمة، ودوره، كما ستنعكس على فاعليته، لافتاً إلى أن كل هذه العناوين
إطارها الفعلي هو النظام الداخلي للحزب، فلا بد من إعادة مراجعة النظام
الداخلي، وبشكل سريع، فالنظام الداخلي أساس الإنجاز في أي مجال.
وقال الرفيق الأمين العام: أما التحدي الثاني فيتعلق بصياغة رؤية الحزب، وتحديداً حيال القضايا الداخلية، والمقصود بذلك هو كيف يفهم الحزب دور الدولة تجاه مواطنيها في مختلف القضايا والقطاعات، لتعمل السلطة التنفيذية على تحويل هذه الرؤية إلى برامج، مشيراً إلى أن العنوان الأول والأهم بالنسبة لنا جميعاً، وبالنسبة لكافة المواطنين في سورية هو الوضع المعاشي، وإذا أردنا أن ننطلق من الوضع المعاشي لا نستطيع إلا أن ننطلق من العنوان الأساسي بالنسبة لنا كحزب، وهو الاشتراكية.. والاشتراكية بالنسبة لنا – حسب ما نفهمها اليوم – هي العدالة الاجتماعية، فنحن لا نستطيع العودة إلى التعاريف الأكاديمية، والنظريات القديمة، وتعريفها بأنها الملكية الكاملة للقطاع العام وإلغاء القطاع الخاص، مبيناً أنه بهذا التعريف وبهذا الشكل، لم تكن سورية في يوم من الأيام اشتراكية محضة.. فالاشتراكية منذ طبقت منذ أكثر من قرن في أماكن مختلفة في العالم، بما فيها سورية، حيث أخذت طيفاً واسعاً من التطرف والماركسية في النصف الثاني من الستينيات، ومن ثم إلى الانفتاح بعد عام 1970، فإلى الانفتاح الذي نعيشه حالياً.. نماذج كثيرة جداً علينا أن نحدد منها الأنموذج الذي يناسبنا من حيث تحقيق العدالة الاجتماعية والقدرة على مواجهة الظروف الراهنة التي نعيشها، وثالثاً قدرته على التقدم بنا قدماً إلى الأمام.
وأكد الرفيق الأسد أننا لا نتحدث عن تقدم بشكل شامل، بل نتحدث بشكل واقعي عن القدرة على تحقيق خروقات في مجالات محدّدة نعتبرها أولويات لنا في سورية، وخاصة في المجال الاقتصادي، منوهاً في الوقت نفسه بأن الاشتراكية تطرح علينا سؤالاً كحزب، وهو متى ينطلق النهج الاقتصادي لحزب البعث من الإيديولوجيا؟ ومتى ينطلق من القواعد الاقتصادية.. بمعنى: هل هناك توافق بينهما أم تناقض أم هناك حل وسط نستطيع من خلاله أن نستند إلى الجانب الإيديولوجي، وبنفس الوقت أيضاً إلى القواعد العلمية الاقتصادية، مردفاً: وبالاطار نفسه، ما هي قدرة الاقتصاد على تحمل القواعد الإيديولوجيه دون أن يكون منهكاً وخاسراً؟، منوهاً بأن إيجاد التوازن إيديولوجية أساسية في نهج “البعث”، وأنه لا يمكن التخلّي عنها.
لا يمكننا السير بالجانب الاجتماعي وحده
وتابع: عندما نقول إيديولوجية فهي الاشتراكية، وهي الوضع الاجتماعي، أو الجانب الاجتماعي، وكما قلت أيضاً: ما هو التوازن بين الجانب الاجتماعي والجانب الاقتصادي، مبيناً، أنها كلها أسئلة تدور حول عنوان واحد، ولكن يجب أن نراها من كل الزوايا، لأننا عندما نتحدث عن التوازن بين القواعد الاقتصادية والقواعد الاجتماعية، فهذا يعني أن نسير بخط دقيق لا يكون فيه الجانب الاقتصادي مجرداً على حساب المجتمع، لأننا في هذه الحالة سوف نتحول إلى حزب رأسمالي، كما لا يمكن أن نسير بالعكس باتجاه الجانب الاجتماعي بشكل مجرد لأننا عند ذلك سوف نكون دولة مفلسة، لذلك أتحدث عن كل هذه العناوين لكي نصل إلى نقطة التوازن بين الإيديولوجي وبين الاقتصادي، وهنا طرح كثيراً خلال العقدين الماضيين.
اقتصاد السوق
ولفت الرفيق الأمين العام، إلى أنه منذ ما بعد المؤتمر القطري العاشر،
فإن موضوع اقتصاد السوق الاجتماعي حمّل ما لا يحمله من معان ومن تفاسير،
وحتى من أخطاء وعثرات، بل تعامل معه البعض وكأنه عقيدة قائمة بحد ذاتها،
منوهاً بأنه، لو كان عقيدة لما أبقينا الاشتراكية، ولو كانت الاشتراكية
نظرية، أي ليست عقيدة، لكنا استبدلناها باقتصاد السوق الاجتماعي. والحقيقة
أن رؤيتنا مبسطة، فالسوق هو منافسة والعملية هي تطوير الاشتراكية لا أكثر
ولا أقل ولكن لو أبقينا كلمة السوق لوحدها فهذا يعني أننا تحولنا إلى
اقتصاد السوق المتوحش، فكلمة الاجتماعي هي التي تحافظ على النهج الاشتراكي
مع المنافسة..
وبالنسبة للسوق، هناك من سيقول: لا يمكن أن يكون هناك سوق مع اشتراكية،
وهذا غير صحيح لأن الأنموذج الصيني واضح، فقد تحولت الصين باتجاه اقتصاد
السوق، وهي دولة شيوعية اشتراكية مركزية.
الفقير يحرك الاقتصاد
وقال الرفيق الأسد: إن الجانب الآخر، وهو عنوان مرتبط بالوضع المعيشي،
منوهاً بأن الحزب تبنى منذ بداياته الوقوف إلى جانب الكادحين، فالكادح قد
يكون بالتعريف الطبقة التي تعمل، ولكنها فقيرة، فهل نقول الكادحين أم
الفقراء عامة، باعتبار المفهوم أشمل؟
سأتحدث عن الفقراء باعتبارهم الشريحة الأوسع أولاً، ومن الطبيعي أن يقف
الحزب إلى جانب الشريحة الأوسع والشريحة التي تتأثر أكثر من غيرها بالأزمات
الاقتصادية، ولكن حتى الأديان وقفت إلى جانب الفقير، كما أن الشريحة
الفقيرة هي التي تضع كل ما يأتيها بشكل كامل في الاقتصاد، لكن الدولة التي
يحكمها حزب البعث هي دولة لكل أبنائها، فإذاً ما هو البرنامج أو النهج الذي
يمكن أن يتبناه حزب البعث، ويعبر عن تقاطع المصالح بين مختلف الشرائح،
وليس شريحة تربح على حساب الأخرى، موضحاً أن الفقير عملياً هي قوة شرائية
للتاجر، وإن لم يكن وضع الفقراء والشريحة الوسطى جيداً لا يمكن للاقتصاد أن
يتحرك، والميسورون وأصحاب رؤوس الأموال هم القادرون على خلق فرص عمل،
مشدداً على ضرورة أن ننظر إلى الطبقة الكادحة أو الفقيرة نظرة اقتصادية قبل
أن ننظر نظرة اجتماعية لأن النظرة الاجتماعية تحول الحزب إلى العمل
الخيري، أما النظرة الاقتصادية فتحوله إلى العمل الاقتصادي الذي يحقق مصلحة
هذه الشريحة ومصلحة المجتمع ومصلحة الدولة بنفس الوقت.
آليات سعر الصرف
وقال الرفيق الأسد: هنا سؤال يطرح دائماً، أين تكمن الأولوية في سعر الصرف، أم في الإنتاج، فإذا كانت الأسعار ثابتة، ولا يوجد فرص عمل كيف يعيش الفقير؟ كيف يطور نفسه؟ كيف ننقل هذه الشريحة من الفقر إلى الوسط؟.. أسئلة هامة جداً يجب أن نجيب عليها لكي تتمكن الحكومة والسلطة التنفيذية من وضع برامج تحقق هذه التوازنات.
وأضاف الرفيق الأسد: إن الجانب الآخر الدعم عبر عقود طويلة.. الدعم يحمّل للمصرف المركزي، وهي ليست من مهام المصرف المركزي، ولكن لأن الدعم ضروري للمواطنين بشكل عام، وخاصة لهذه الشرائح، كان لا بد من إيجاد طريقة حُمّلت للمصرف المركزي ماذا كانت النتيجة؟ أن هذا المصرف أصبح أقل قدرة على التعامل مع حالة التضخم بالرغم من أنهم يقومون الآن بعمل كبير جداً وضخم للجم، وليس إيقاف التضخم بل لجمه، منوهاً بأنه لو كانت هذه السياسة بشكل مختلف لكان الوضع اليوم أفضل بكثير بالنسبة لسعر الصرف، وبالنتيجة لتلك الشرائح هذه مجرد أمثلة تعبر عن ذهابنا باتجاه سياسات تخدم الشرائح الأفقر، ولكن بنتائج مختلفة يعني نوايا صادقة ونتائج معاكسة، وهنا لا يمكن أن نناقش الإجراءات الحكومية.. أنا هنا لا أدافع عن أية حكومة، لا سابقة ولا حالية، ولا لاحقة، أنا أقول إنه عندما لا يكون هناك توازن بين الاقتصادي والاجتماعي فسيكون هناك شلل للسياسات بكل مستوياتها، وعندما يكون هناك شلل بالسياسات سوف يكون هناك فشل في الإجراءات التي تقوم بها السلطة التنفيذية على كافة المستويات.
ولفت الرفيق الأسد إلى أن الجانب الآخر والعنوان الهام بالنسبة لنا أيضاً المرتبط بالاشتراك هو القطاع العام، في أننا ننظر للقطاع العام أحياناً بشكل مجرد، هو يعني معمل وهو عامل.. الحقيقة القطاع العام لعب دوراً هاماً عبر تاريخ سورية، وما زال بالرغم من المصاعب الجمّة التي تعترضه لكن لا يمكن اختصار القطاع العام بعنوان صغير.. هناك قطاع عام إداري له دور، وهناك عام اقتصادي، ودوره مختلف كلياً.. هناك قطاع عام اقتصادي إنتاجي، وهناك قطاع عام إداري خدمي يقدم الخدمات.. كل واحد من هذه القطاعات له دور.. نحن ننظر لهم كعنوان واحد، لكن لنتحدث عن الاقتصادي بشقيه، والسؤال: ماذا نريد لو سألنا أي بعثي، ماذا تريد من القطاع العام، هل تريد منه التوظيف؟ هل تريد منه دعم الأسعار، أم هل تريد منه أن يكون رابحاً، مضيفاً: وإذا أردنا منه الثلاثة عناصر فهل يمكن تحقيق العناصر الثلاثة مع بعض، وخاصة الربح كونه اقتصادياً من جانب مع الاجتماعي، أي الدعم والتوظيف بمراسيم إحداث أي مؤسسة اقتصادية الربح هو عنوان أساسي فماذا يعني الربح؟ يعني أن تكون الواردات أعلى من الكلف الحقيقية، الرواتب، الكهرباء، والوقود.. لكن الواقع ليس كذلك.. في معظم المؤسسات، وخاصة عندما تكون السياسات تحمل لهذه المؤسسات بمعنى إذا كان واجبها الدعم، فالدعم هو من مهام الخزينة المركزية، وليس من مهام المؤسسات، أما التوظيف إذا كان هو الهدف سوف نخسر، وهو اسمه اقتصادي، فلماذا لا نقوم بتوظيف الناس في القطاع الإداري أو لماذا لا نعطي الناس هذه الأموال التي تذهب تجاه الهدر والفساد وتجعل الدولة أضعف في القيام بواجباتها إذا كان من مهامها التوظيف، حسناً.. إذا كان من مهام الدولة التوظيف، أو لنسأل سؤالاً: أولاً ما هي حدود التوظيف.. ستبقى الدولة في سورية توظف، لكن ما هي حدود التوظيف في سورية، هل من واجبها التوظيف كما كنا نرى سابقاً في القطاع العام؟.
وأردف الرفيق الأسد: حسناً.. كيف نوظف ونحافظ على النوعية ونحن نعرف تماماً بدأنه لا يمكن أن يتطور الوضع في سورية إن لم تتطور الدولة، ولن تتطور الدولة إن لم نتمكن من توظيف نوعيات عالية ونوازن هنا أيضاً بين جانب التوظيف الاجتماعي، والتوظيف النوعي، لافتاً إلى أنه إذا وظفت الدولة فما هي السياسة بهذه الحالة التي سنتبناها كحزب.
الدعم الزراعي
وشدد الرفيق الأمين العام على أن قطاع الزراعة عنوان آخر هام.. الزراعة، أو دعم الزراعة هو ليس عنوان للنقاش.. أعتقد في كل بلد زراعي الزراعة تعادل الأمن الوطني، ولكن النقاش هو حول آلية دعم الزراعة.. هل ندعم؟ هل ندعم مستلزمات الإنتاج كما نفعل دائماً، أم ندعم المنتج الزراعي، وبالتالي يصل الدعم بشكل مباشر وكامل للفلاح ولا يصل للطفيلي على الطريق؟.
وتابع: هذا عنوان من العناوين الضرورية بالنسبة لحزب البعث.. كل ما سبق
يشكل بمجمله عنوان مكافحة الفساد.. عنوان مكافحة الفساد ليست عنواناً
منفصلاً.. ليست عنواناً مجرداً، ولا عنواناً عاطفياً، ولا عنواناً
انتقامياً كما يطرحه البعض، بل هو نتيجة لبناء هذه المؤسسات بهذا الشكل
الصحيح؛ فمكافحة الفساد بحاجة لبيئة صحيحة، والبيئة الصحيحة بحاجة لمنظومة
سليمة، لأنه من دون المنظومة السليمة لا داعي لإضاعة الوقت في مكافحة
الفساد؛ لأننا لن نحقق أية نتيجة حقيقية ولو ضربنا.
وأوضح الرفيق الأمين العام أنه لو كُلف الكادر الصحي في وزارة الصحة بكل
طواقمها أن يذهب إلى مدينة كي تعالج الأوبئة المنتشرة فيها، بسبب هو عدم
قيام البلديات بجمع القمامة، ونطلب منهم أن يعيدوا الوضع الصحي إلى الشكل
الطبيعي سوف يقولون لنا لا يمكن أن نفعل أي شيء لأنه لا مشافي ولا أطباء
ولا أدوية قادرة على مكافحة الأوبئة، إبدأوا بجمع القمامة.. هكذا يجب أن
ننظر إلى عملية مكافحة الفساد، لأنه إن لم نقم بجمع القمامة التي هي الخلل
الإداري الموجود لدينا لا يمكن أن نصل إلى أيه نتيجة في موضوع مكافحة
الفساد.
وأوضح أنه علينا بالتالي أن نضع أجوبة لهذه التساؤلات لكي يتمكن الحزب من وضع رؤية، ولكي تتمكن الحكومة من وضع برامج تنفيذية لهذه الرؤية، وعلينا أن لا نؤجل العمل بهذا الاتجاه، لأننا اعتدنا عبر سنوات طويلة قبل الحرب أن نستخدم جملة معروفة وهي ” هلأ مو وقتها”.. هذه الجملة التي تبقي الأحلام مجرد أحلام.
لا تخل عن الدعم
وأردف الأين ابعام: لكي أوضح ملخص هذه الفقرة، وكي لا يفسر كما يحلو للبعض أحياناً بأن هذه الجلسة كانت جلسة بريسترويكا، والتخلي عن القطاع العام والتخلي عن الدعم على الإطلاق.. أي أن كل ما سبق لا يعني أبداً التخلي عن القطاع العام، لأن دوره هام وسيبقى دور هام، ولكن يجب أن يكون دور القطاع العام هو دور نوعي ومدروس وهادف.. بمعنى أن كل ما سبق لا يعني التخلي عن الدعم، لأن الدعم ليس ضرورياً فقط للشرائح الأفقر فالدعم ضروري لقوة الاقتصاد، لأن المشكلة هي ليست في مبدأ الدعم، وإنما في شكل وفي طريقة الدعم.. وهذا يعني أن نعزز دور الدولة لكي تكون قادرة على القيام بواجباتها على أكمل وجه في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسيه والوطنية بشكل عام.
وأضاف الرفيق الأمين العام: قد يقول البعض “كنا نتوقع أن نسمع من الأمين العام إجابات على هذه الأسئلة التي طرحها، لكن ما دمت أعطيت إجابات الآن فهذا يعني أنني أقوم بقطع الطريق على النقاش”، مردفاً: وأنا هنا اليوم كي أطلق النقاش لا كي أقطع الطريق على النقاش هذا أولاً، وتالياً، إن القضايا الكبرى التي تمس المواطنين لا تبنى على أمين عام، أو رئيس جمهورية، أو رئيس حكومة، أو قيادة حزب، أو حكومة.. هذه المواضيع بحاجة لإطلاق حوار واسع أولاً على المستوى الحزبي بكل مستوياته، وثانياً على المستوى الوطني، عندها يمكن لأي شخص أن يعطي رأيه ويتخذ القرار الصحيح.
المصدر:
http://syriasteps.net/index.php?d=110&id=198663