سيرياستيبس
رحاب رجب :
أسئلة كثيرة تطرحها الطريقة التي يتمّ من خلالها تعاطي بعض الجهات الحكومية مع شكاوى المواطنين، وخاصة في الأمور الخدمية، فالعرقلة المتعمّدة للمعاملات في الدوائر الرسمية غالباً ما تكون مثار شكاوى سرعان ما تنتهي في أدراج الجهة المستقبلة لها، إما لأن المشكوّ منه صاحب حظوة لدى مستقبل الشكوى، وإما لأن الشكوى لم تمرّ عبر طرق خلفية تؤدّي في النهاية إلى الوصول إلى غايتها!
فقد يحدث مثلاً أن يتقدّم أحد المواطنين بشكوى حول موظف في وزارة معيّنة إلى الجهة الرقابية في مؤسسته، فيعزّ على هذه الجهة، لسبب من الأسباب محاسبته، وتعمد إلى إهمال الشكوى أو المماطلة في مناقشتها، وهذا للأسف يحدث في العديد من مؤسسات الدولة، بسبب غياب مبدأ المحاسبة وتنفيذ القانون، وحتى في هيئات متخصّصة بهذا الشأن.
ولكن المفارقة تحدث عندما تسيء الجهة المستقبلة للشكوى توجيهها إلى المكان الذي ينبغي أن تتمّ معالجتها فيه، فمثلاً قام أحد المواطنين بتقديم شكوى حول عمل شركة النقل الداخلي إلى الجهة الحكومية التابعة لها الشركة، وهي جهة اعتبارية، فقامت الأخيرة بإحالة الشكوى إلى حماية المستهلك التي ربّما لا تملك الصلاحية للمحاسبة، الأمر الذي يجعلها عاجزة تقليدياً عن متابعتها، أو تقوم في مناسبة أخرى بإحالتها في السياق ذاته إلى مديرية النقل، بينما أصل الشكوى ينمّ عن شبهة فساد واضحة لدى الشركة.
تمييع الشكوى!
وكذلك الحال عندما يتمّ تمييع الشكوى واختصارها بأبسط عبارة مكتوبة فيها، مع العلم أن الشكوى تغصّ بالعديد من الممارسات والتجاوزات التي لا يمكن بأيّ حال من الأحوال اختصارها بهذا الجانب، فتتمّ للأسف محاسبة الحلقة الأضعف والقفز فوق سائر الاتهامات الموجودة في الشكوى على مبدأ اختيار كبش فداء يحمل العقوبة عن الجميع.
هناك نص قانوني
ثمّة أسئلة هنا حول ما إذا كان هناك نصّ قانوني يحكم الطريقة التي يجب أن يتمّ التعاطي بها مع شكاوى المواطنين من إهمال إحدى المؤسّسات أو الهيئات الحكومية أو فسادها؟ ولماذا لا يصل الكثير من الشكاوى إلى غايته؟ ويتمّ تمييع بعضها واختصاره في جانب واحد، أو إحالته إلى جهة أخرى لا تملك صلاحية المحاسبة!.
المحامي أكرم المحمود أكد أن هناك نصاً قانونياً، بل هناك قانون كامل يعالج هذه الحالات، سواء حول إهمال مؤسسة أو شركة أو حتى حول إهمال وزارة في قرار أو إجراء معيّن، أو التظلّم من قرار أو إجراء بعينه، وهذا القانون هو القانون الإداري أو ما يسمّى القضاء الإداري، وهو يختصّ بالنظر بالمنازعات بين الأشخاص العاديين ومؤسسات ووزارات وهيئات الدولة، فأي شخص يتعرّض للضرر من أيّ مؤسسة أو هيئة أو وزارة، عليه أن يلجأ إلى القضاء الإداري الذي سينصفه، فهناك محكمة خاصة وقضاة متخصصون ومفوّض مجلس دولة، وهي المحكمة الإدارية المركزية في دمشق المشكّلة من ستينيات القرن الماضي، وهي متخصّصة بالقضاء الإداري، والآن هناك محكمة إدارية في كل المحافظات، ويتمّ التقاضي فيها على درجتين، الدرجة الأولى هي محكمة القضاء الإداري، والدرجة الثانية هي المحكمة الإدارية العليا التي تنظر في أخطاء محكمة الدرجة الأولى، وهذا القضاء قادر على الفصل في المنازعات ومتابعة أي شكوى تقدّم من المواطنين أو حتى شركة خاصة كانت تتعامل مع مؤسسات الدولة أو وزاراتها، حيث تتعامل المحكمة مع هذا التظلم وتنظر في الدعوى من خلال جلسات المحاكمة.
وأضاف المحمود: القضاء الإداري قضاء مميّز ونزيه، والقضاة فيه مميزون ينظرون إلى الدعاوى بجدية، حتى لو حدثت بعض الثغرات الناتجة عن ضغوط معيّنة تمارس أو محسوبيات، ولكنها قليلة جداً، فالقانون الإداري ينظم العلاقة بين إدارات ومؤسسات الدولة، أو العلاقة بينها وبين الأشخاص، واللجوء إلى القضاء الإداري يؤدّي إلى نتائج مرضية، كما أن متابعة الشخص للشكوى أو الدعوى أو القضية التي يعالجها لا بدّ أن توصله إلى نتيجة.
وبرأيه أن ثقافة الشكوى لدى المواطن ما زالت معدومة، وذلك خوفاً من العناء الذي يلاقيه أثناء المتابعة، فلا بدّ من متابعة الشكوى وتقديم الأدلة، ولا ينبغي تحميل مؤسّسات الدولة العبء كاملاً.
نوعان من الحقوق
ومن وجهة نظر استشاري التدريب والتطوير وخبير الإدارة العامة عبد الرحمن تيشوري أن الحقوق وليدة الحياة، والحياة فرضت على الناس، سواء أكانوا مواطنين أم موظفين أم مرتفقين مستفيدين من المرفق العام، أن يعيشوا مجتمعين من أجل تحقيق احتياجاتهم التي لا يمكن تحقيقها إلا عن طريق هذه الحياة المشتركة أي بناء المنظمات والوزارات والجهات العامة، في الدولة.
وأضاف تيشوري: هناك نوعان من الحقوق، الحقوق الخاصة التي تنظم شؤون الفرد في ذاته والعلاقات بين الأفراد، والحقوق العامة التي تنظم العلاقات بين الدولة والأفراد، أي العلاقات بين أشخاص القانون العام، بين الدولة والدول الأخرى، بين المواطن والدولة، وفي الدساتير عموماً علينا جميعاً كمحكومين احترام القانون وفق مبدأ الشرعية القانونية، وأعلى القواعد هو الدستور ثم التشريع الذي يصدره البرلمان، والمراسيم التشريعية التي يصدرها الرئيس، بصفته رئيس السلطة التنفيذية، ثم المراسيم التنظيمية والقرارات التي تنظمها الحكومة، وبالتالي يجب ألا تبقى شكاوى المواطنين دون نص قانوني يحكم هذه العملية.
صندوق خاص بالشكاوى
وتابع تيشوري: قبل الحرب على سورية كلّفت الحكومة آنذاك أحد المستشارين في رئاسة الوزراء، بإحداث صندوق إلكتروني خاص بشكاوى المواطنين على أن يشكّل هذا الصندوق نقطة اتصال بين المواطنين وجميع المؤسسات والوزارات والمحافظات، وكانت الفكرة ربطه برئاسة مجلس الوزراء، وأن يكون لهذا الصندوق القيمة القانونية للشكوى المسجّلة أصولاً، وبالتالي ستكون الجهات الرسمية من وزارات وشركات ومؤسسات ومحافظات، ملزمة بالردّ على هذه الشكاوى، في مدة زمنية قصوى يحدّدها قرار رئيس مجلس الوزراء الذي كان يجب أن يحدث هذا الصندوق.
ولكن الحكومة، والكلام للخبير، لم تتعاطَ مع الأمر كما يجب، لذا اختفى الصندوق ولم يعُد له أثر رغم أننا حضرنا أكثر من اجتماع لهذه الغاية، وكانت الفكرة من هذه الخطوة أن تُتاح الشكوى للسوريين المقيمين في سورية وفي المغتربات، وألا توضع أي حدود أو قيود على هذه الشكاوى، وعلى الجهات المشتكى منها أيضاً، والمهمّ أن يكون صاحب الشكوى مواطناً سورياً أو مقيماً أو حتى مستثمراً، ولو لم يكن سورياً.
ودعا تيشوري إلى تنظيم هذا الموضوع، مشيراً إلى أن هناك تجارب في دول العالم مثل التجربة الفرنسية، حيث إن هناك ما يسمّى الدعوة الشعبية التي لا تحتاج إلى محامٍ أو رسوم ويستطيع أي مواطن أن يشتكي على أي جهة عليا في الدولة من خلال فاكس أو إيميل، ويرسل هذه الشكوى وتصل وتُعالج ويردّ على الشاكي، وكانت هناك تجربة مماثلة في مؤسسة مياه طرطوس تسمّى دليل المواطن أي طالب الخدمة، وحدّد في هذا الدليل كل الأوراق والمعاملة والرسوم والمراحل والمدة الزمنية اللازمة، وكان هذا الدليل جيداً، ولكن للأسف تم تطبيقه مع مدير عام ثم أهمله الآخر، لكن يمكن لنا كما هو الحال في معظم دول العالم الثالث أن نبني نظم الشكاوى والتظلم والردّ عليها، وهي تساهم في حل الكثير من المشكلات العامة.
البنية التحتية ضرورية
وأكد خبير الإدارة أن هذه النظم، وخاصة إذا كانت إلكترونية، بحاجة إلى بنية تحتية، كهرباء دائمة وانترنت سريع وحواسيب وقواعد بيانات وربط شبكي بين الجهات العامة، مشيراً إلى تطبيق بعض خدمات الدفع الإلكتروني، ولكن التجربة السورية في هذا الميدان ضحلة وبسيطة، ولا بدّ من تطويرها والبناء عليها حتى نحقق راحة ورضا للمواطن والموظف والمستفيد، كما يجب إعطاء الصحافة دوراً أكثر فاعلية، حيث إن الصحافة كشفت الكثير من المشكلات والتجاوزات، لكن التفاعل الحكومي معها كان وما يزال بطيئاً!.
المصدر:
http://syriasteps.net/index.php?d=127&id=198977