سيرياستيبس :
في عصر المعلومات والشفافية، تعتبر مؤشرات الشركات أداة لا غنى عنها لفهم الأداء واتخاذ القرارات، فالتعاون بين الإدارة والمدققين الداخليين والخارجيين والهيئات التنظيمية هو ما يضمن دقة هذه المؤشرات وموثوقيتها، لذا يجب على الشركات الاستثمار في أنظمة تدقيق قوية لضمان استدامة نجاحها ونموها في الأسواق التنافسية، وانطلاقاً من الواقع الراهن والحاجة لرسم سياسات اقتصادية صحيحة للخروج من الظرف القاسي والانطلاق إلى المستقبل، تأتي أسئلة كثيرة لتطرح نفسها بقوة، أولها من يضع مؤشرات أداء الشركات ويدقق في صحتها؟ وما الشكل القانوني الأنسب للمرحلة القادمة؟ وماذا في القوانين الناظمة المتعلقة واستجابتها لمتطلبات المرحلة؟ لماذا العزوف عن الإنشاء أو التحول إلى شركات مساهمة مفتوحة رغم أهميتها؟ هل التشريعات المتعلقة وافية؟ أين تكمن المشكلة؟ وهل من مقترحات في طريق الحلول؟
الشركات.. واقع ومستقبل
عام 2011 صدر قانون الشركات بالمرسوم التشريعي رقم 29، ووفق المادة
الخامسة منه التي نصت على الشكل القانوني للشركات: «تتخذ الشركات في سورية
أحد الأشكال التالية.. شركة التضامن، شركة التوصية، شركة المحاصة، الشركة
المحدودة المسؤولية، الشركة المساهمة المغفلة»، وبعد 13 عاماً في منتصف
شباط الماضي صدر القانون رقم 3 لعام 2024 الخاص بإحداث وحوكمة وإدارة
الشركات المساهمة العمومية والشركات المشتركة، وجاء في المادة الثانية منه:
«يهدف هذا القانون إلى الإسهام في تنمية القطاع العام الاقتصادي، من خلال
تنظيم إحداث الشركات المساهمة العمومية والشركات المساهمة العمومية القابضة
والشركات المشتركة، التي تدخل فيها الدولة ممثلة بالخزينة العامة أو
المؤسسات والشركات العامة في ملكية أو إدارة تلك الشركات، مع الأخذ
بالحسبان معايير الحوكمة، وذلك ضماناً لتحقيق الكفاءة الإدارية
والاقتصادية».
فلماذا لم نر أثراً على الواقع؟
خبراء في الاقتصاد أوضحوا : أن هذا المرسوم يخص
الشركات والمؤسسات العامة.. ويسمح لها إما أن تتحول إلى شركات مساهمة
عمومية أو أن تندمج ببعضها لغاية هذا التحول، وفي كلتا الحالتين تبقى ملكية
100 بالمئة من هذه الأسهم للحكومة أو القطاع العام، أو (حسب هذا المرسوم)
فقد سمح أن تدخل المؤسسات والشركات العامة كشريك في الشركات المساهمة
العامة كغيره من الشركاء الخاصين وذلك حسب قانون الشركات النافذ حالياً
(رقم 29 لعام 2011) ولفتوا إلى أن كل ما ذُكر أعلاه يأتي تحت عنوان
التشاركية، مع التحفظ على الشكلين الأول والثاني أي عن تحول شركات حكومية
إلى شركات مساهمة حكومية.
ورداً على سؤال هل شهد قطاع الأعمال أي تحرك
للاستفادة من القانون رقم 3؟ ولماذا؟ أشار متابعون إلى أن قطاع الأعمال لم
يشهد أي تحرك للاستفادة من القانون رقم 3 ولا غيره من القوانين التشجيعية،
لأن الوقت للاستثمار غير مناسب، فنحن كنا وما زلنا بوضعية حرب.
وبشأن
أي نوع من الشركات هو حاجة المرحلة الاقتصادية المقبلة وأكثر فاعلية لمرحلة
إعادة إعمار سورية؟ يؤكد الأكاديميون والخبراء في الاقتصاد أن الشكل
الأفضل للشكل ونوعية الشركات في الحاضر والمستقبل هو الشركات المساهمة
العامة.
شركات المساهمة العامة للحاضر والمستقبل
أهمية الشركات المساهمة العامة في تعزيز القطاعات الاقتصادية، أوضحها الدكتور عبد الرزاق
قاسم رئيس مجلس مفوضي هيئة الأوراق والأسواق المالية قال فيه: تلعب الشركات المساهمة العامة دوراً بارزاً في
الاقتصاد الوطني وتعزيز أداء قطاعاته الاقتصادية المختلفة، وذلك من خلال
مساهمتها في إعادة توزيع الدخل القومي وتنمية الوعي الادخاري والاستثماري،
وبالتالي رفع مستوى معيشة المواطنين من خلال توزيع مكاسب التنمية ونمو
الاقتصاد إلى أكبر شريحة من المواطنين، حيث تؤمّن فرصاً مهمة لتوظيف
الأموال وتعزيز القاعدة الإنتاجية في البلاد.
وعن أسباب ضرورتها في
المرحلة المقبلة؟ أضاف قاسم: يكتسب تأسيس شركات مساهمة عامة أو التحول إلى
هذا النوع من الشركات أهمية في المرحلة المقبلة وهي مرحلة لإعادة إعمار
سورية بغية الانتقال إلى اقتصاد منظم يوزع منافعه على أكبر شريحة ممكنة من
شرائح المجتمع ويعمل وفق الضوابط والتشريعات وإشراف الدولة بدلاً من اقتصاد
الظل.
كما أوضح أنها ضرورية أيضاً لقدرتها على جذب الاستثمارات
المحلية والأجنبية من خلال حشد موارد القطاع الخاص بما في ذلك صغار
المستثمرين والمدخرين الذين لا يملكون الوقت الكافي والخبرة اللازمة
لاستثمار أموالهم، كما أنها ضرورية أيضاً لتحسين العائدات الضريبية نظراً
لعملها وفق قواعد الحوكمة الفعالة ومبادئ الإفصاح والشفافية والمساءلة مما
يخفض احتمالية التهرب الضريبي الذي يحدث في الشركات الخاصة، بالإضافة إلى
ضمان استمرارية حياة الشركة مدة طويلة، وسهولة حصولها على السيولة النقدية
من خلال طرح أوراق مالية جديدة عند الحاجة وبالتالي زيادة رأسمالها بشكل
يتيح لها القدرة على تمويل خططها التوسعية بأقل التكاليف وزيادة قدرتها
التنافسية في الأسواق المحلية والخارجية.
عزوف لأسباب
ضرائب عالية – ثقافة إدارة – غياب العدالة التنافسية
يبلغ عدد الشركات المساهمة العامة المسجلة لدى مديرية الشركات في وزارة
التجارة الداخلية وحماية المستهلك؛ والخاضعة لإشراف هيئة الأوراق والأسواق
المالية، 51 شركة مساهمة فقط، ومن هذه الشركات يوجد 7 شركات متوقفة عن
العمل، وفي الوقت ذاته يبلغ عدد الشركات المسجلة لدى الوزارة من الأشكال
القانونية الأخرى ما يزيد على الـ(95) ألف شركة، وفق رئيس مجلس مفوضي هيئة
الأوراق والأسواق المالية.
ومن الأسباب التي تحدّ من رغبة تأسيس
الشركات المساهمة العامة أو التحول إلى هذا الشكل القانوني؟ اعتبر الدكتور
قاسم أن من أهم هذه الأسباب التي يجب العمل على تلافيها لتشجيع التحول إلى
شركات مساهمة، عدم الرغبة في التصريح عن الأرباح الحقيقية لهذه الشركات
خوفاً من دفع ضرائب عالية، وتجذّر ثقافة الإدارة الفردية والعائلية لدى
مؤسسي هذه الشركات الأمر الذي يستدعي بذل جهود حثيثة لتغيير هذه الثقافة
وإبراز أهمية الشركات المساهمة العامة ولاسيما قدرتها على الاستمرارية
ونموها لسنوات طويلة بدلاً من انتهاء عمرها عند وفاة المؤسسين أو انتقال
الملكية إلى الجيل الثاني من العائلة، كما أن من الأسباب تعدد الجهات
الإشرافية والرقابية التي ترخص وتشرف على تأسيس هذه الشركات من وزارات
وجهات حكومية متعددة، وهنا يجب العمل على تبسيط إجراءات ترخيص الأعمال وحصر
جميع الإجراءات في نافذة واحدة للتعامل مع طلبات التحول، بالإضافة إلى
ضرورة تخفيض رسوم تأسيس الشركات المساهمة العامة، مع وجود سبب مهم وهو غياب
العدالة والمنافسة المتكافئة بين الشركات الموجودة ضمن القطاع الواحد
باختلاف شكلها القانوني، وعدم الجهوزية المؤسسية للتحول.
مؤشرات الأداء لتخطيط إستراتيجي
البيانات التاريخية والتوقعات المستقبلية، ركائز تستند إليها الشركات في
مؤشرات الأداء ثم التخطيط الإستراتيجي، وهناك عدة جهات تدقق صحة مؤشرات
الشركات، المدققون الداخليون، والخارجيون، كما يوجد في الكثير من البلدان
هيئات تنظيمية تراقب الشركات للتأكد من التزامها بالقوانين والمعايير
المالية وهذه الهيئات قد تتطلب تقارير دورية تتضمن مؤشرات الأداء، وتعد دقة
المؤشرات مهمة لكونها تعكس صحة المعلومات المالية وتساعد في اتخاذ قرارات
مستنيرة، فأي خطأ في البيانات يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة، وهو ما نعيشه
اليوم جراء أخطاء تراكمية في البيانات، والأخطر فقدان البيانات في أغلب
الأحيان!
حول وضع مؤشرات أداء الشركات، بأنها تُحدد نظرياً في دراسة
الجدوى الاقتصادية قبل تأسيس الشركة، أخذت «الاقتصادية» آراء عدد من
العاملين في المجال الذين اعتبروا أن منها وأهمها كمثال، هو مؤشر الإيرادات
السنوية، وبالتالي المردودية الربحية، أي فترة استرداد رأس المال، وأوضحوا
أنه عند تأسيس، وفي فترة نشاط الشركة، تتم المقارنة بين ما هو حقيقي على
أرض الواقع وبين المؤشرات النظرية المتعلقة بهذا المجال، فإن كانت مؤشرات
الدراسة صحيحة أو أكثر مما هي على أرض الواقع أو أقل، فقد يُعاد النظر
بآلية عمل الشركة لتتناسب مع ما هو مستهدف.
ميزات ومخاوف ومقترحات
منح
القانون رقم 11 عام 2023 الخاص بإعادة تقييم الأصول الثابتة للشركات
القائمة مزايا وإعفاءات مالية وضريبية للشركة التي تقوم بالتحول أو
الاندماج على أن تنتج عنها شركة مساهمة مغفلة عامة، ووفق المادة التاسعة
منه تصدر هيئة الأوراق والأسواق المالية الموافقات والقرارات المتعلقة
بطلبات اعتماد أسهم الشركات الناتجة عن التحول أو الاندماج وإجراءات
إدراجها في سوق الأوراق المالية، فما تفاصيل المزايا، وماذا في تذليل
المخاوف، ومقترحات لتجاوز الصعوبات؟
في حديثه الخاص لـ«الاقتصادية» رأى
رئيس هيئة الأوراق والأسواق المالية أن أهم مزايا تأسيس شركات مساهمة عامة
تتمثل في وجود كيان قوي قادر على المنافسة والاستمرار وعلى مواجهة الأزمات
المالية ووجود رأسمال ضخم لها يساعدها في تمويل مشاريعها، وخضوعها لإشراف
الجهات الرقابية التي تساعدها في تنظيم أعمالها وتقييمها في ضوء التشريعات
التي تلتزم بها هذه الشركات ولاسيما قواعد الحوكمة الرشيدة التي تلزمها
بفصل ملكية الشركة عن إدارتها وضرورة تعيين إدارة مؤهلة ذات كفاءة لإدارة
أعمالها، وتنظيم الصلاحيات والمسؤوليات بين مختلف الأطراف للحفاظ على
حقوقهم وتطبيق مبادئ العدالة والمساءلة، وتعزيز مبادئ الإفصاح والشفافية،
ووجود مدقق خارجي مستقل لتدقيق بياناتها المالية.
وأضاف: كما أن
إدراجها في سوق الأوراق المالية يسهم في رفع مستوى سيولتها ويسهل عملية
الدخول والخروج من هذا الاستثمار مما يتيح توسيع الفرص الاستثمارية
المتوافرة في الأسواق المالية وتنويعها وتعزيز دور السوق الاقتصادي ورفع
مستوى سيولتها.
ومن وجهة نظر قاسم فإن: المخاوف تتمثل في إخفاق هذه
الشركات بسبب عدم التزامها بجميع القواعد المذكورة أعلاه، وعدم التزامها
بقواعد الحوكمة والإفصاح والشفافية وسوء إداراتها، وعدم التزامها بقواعد
السلوك المهني والقيم الأخلاقية، ما من شأنه أن يضعفها ويؤدي إلى فشلها في
تحقيق أهدافها.
مخاطر الصكوك الإسلامية أقل
وعن مشروع الصكوك الإسلامية؟ أين وصل؟ وما أهميته؟
أنهت هيئة الأوراق والأسواق المالية مشروعها حول قانون الصكوك الإسلامية،
وذلك بالتعاون مع كل من وزارة المالية ومصرف سورية المركزي وبمشاركة عدد من
الخبراء في مختلف المجالات الشرعية والقانونية والاقتصادية، وتم رفعه إلى
مجلس الوزراء لدراسته، حيث تم إقراره ويجري العمل حالياً على معالجة بعض
الملاحظات ليتم استكمال باقي خطوات إصداره أصولاً، ليكون بمنزلة منتج مالي
جديد يمكن استخدامه والاستفادة منه من القطاع العام والقطاع الخاص على حد
سواء، وفق ما أكد قاسم وأضاف: تتيح صيغ التمويل الإسلامي فرصاً للاستفادة
منها في عملية التمويل والاستثمار، فالسمة المميزة لهياكل التمويل
الإسلامي، هي أنها مدعومة بالأصول بطبيعتها، أي إنه لابد من وجود أصل مادي
ملموس تقوم عليه المعاملة.
وتابع رئيس مجلس مفوضي الهيئة أنها تعمل على
جمع واستخدام المدخرات في برامج التنمية الاقتصادية عموماً والتنمية
المستدامة على وجه الخصوص، إذ يمكن تطبيق صيغ الصكوك لتمويل عدد كبير من
المشاريع من بينها الطرق، وتوليد الكهرباء، والمستشفيات، والعديد من
المشاريع في مختلف القطاعات، وفي المقابل يمكن لحملة الصكوك من المستثمرين
الحصول على عائد مجز بعيداً عن معدلات الفائدة التقليدية، كما تتميز الصكوك
الإسلامية بكون مخاطرها أقل مقارنة مع أدوات الدين التقليدية، لكونها تكون
في العادة محمية بأصول حقيقية.
الخطط المستقبلية
تحديث عدد من التشريعات
إجراءات متخذة أو يجب أن تتخذ للتشجيع على تأسيس شركات مساهمة عامة أو
التحول إليها، أوجزها الدكتور قاسم بالقول: يجب حصر الشكل القانوني
للقطاعات الاقتصادية المهمة ولاسيما التنموية في شكل الشركات المساهمة
العامة، والعمل على منحها مزايا تفضيلية بما في ذلك إعفاءات وتخفيضات
ضريبية، وقد منح القانون رقم (11) لعام 2023 عدداً من المزايا والإعفاءات
للشركات الراغبة في التحول، كما تقوم الهيئة بعقد الندوات والورشات للتعريف
بأهمية هذه الشركات ودورها في تعزيز الاقتصاد الوطني.
رئيس مجلس مفوضي
الهيئة أكد أن هيئة الأوراق والأسواق المالية تعكف على تحديث عدد من
التشريعات ولاسيما تلك المتعلقة بحوكمة الشركات أي قواعد الممارسات السليمة
لإدارة الشركات المساهمة العامة، بالإضافة إلى إصدار تعليمات لنظام
الإفصاح والشفافية للجهات الخاضعة لإشراف الهيئة، وكذلك تعديل نظام صناديق
الاستثمار وفق أفضل الممارسات المتبعة في إحداث وإدارة هذه الصناديق الأمر
الذي يمكن أن يسهم في إحداث صناديق استثمارية تملكها شركات مساهمة عامة
تعمل على جمع المدخرات واستثمارها في الأوراق المالية وعدد آخر من الأصول
من خلال إدارة هذه الصناديق بكفاءة ومهنية للوصول إلى عوائد استثمارية جيدة
لحملة الوحدات، وبينما يزداد الوضع المعيشي تأزماً والبناء الاقتصادي
مراوحة، هناك مروحة واسعة من الإجراءات والخطوات والسياسات على عدة اتجاهات
ومستويات تحتاج للمراجعة والتقييم والبناء بواقعية وشفافية ومسؤولية، وفق
ما يؤكده اقتصاديون يبنون رؤاهم على واقع ملموس تعيشه شركات القطاعين العام
والخاص على السواء في عقلية إدارة تحتاج للانطلاق بتفكير خارج الصندوق.
الاقتصادية
المصدر:
http://syriasteps.net/index.php?d=131&id=199738