دمشق - سيرياستيبس :
أكد الرئيس بشار الأسد أن العنوان الأساسي لعمل الحكومة الجديدة في
الساعات الأولى لها وقبل كل العناوين الأخرى هو كيف يمكن أن نقف مع أشقائنا
في لبنان بكل المجالات وبكل القطاعات من دون استثناء ومن دون تردد.
وترأس الرئيس الأسد أمس اجتماعاً توجيهياً للوزارة الجديدة بعد أدائها اليمين الدستورية أمامه
وفيما يلي أبرز ما تضمنته الكلمة التوجيهية للرئيس الأسد:
أتمنى أن تكون الحكومة الجديدة على قدر
الآمال الكبيرة للمواطنين السوريين.. والتعديل أو التغيير هو ليس هدفاً بحد
ذاته وإنما هو أداة وهو فرصة جديدة للتجديد.. للتطوير وللنهوض بالوضع
العام في الوطن.. ومن الطبيعي أن تكون هذه الآمال التي نلمسها في المجتمع
بشكل عام مبنية على الأشخاص.. هذه هي الحالة الطبيعية.. ولكن أول تحد
تواجهه أية حكومة جديدة هو أن تحول هذه الآمال المبنية على الأفراد إلى
آمال مبنية على المؤسسات عبر السياسات.. عبر الخطط المثمرة الناجمة عن حوار
فعال داخل مؤسسة مجلس الوزراء.. بين أعضاء الفريق الحكومي.. مع المؤسسات
الحكومية أو مؤسسات الدولة بشكل عام.. المؤسسات الأخرى مع المؤسسات الاهلية
كالمنظمات الشعبية وغيرها ومع شرائح المجتمع كافة.
وأضاف : تبدؤون أعمالكم اليوم في ظروف صعبة جداً
وأيضاً من الطبيعي أن يكون الهدف الأول لأية مؤسسة عامة هو أن تبدأ بتخفيف
وطأة الظروف عن المواطن ولكن هل يمكن أن نقوم بهذا العمل من دون أن نخفف
الوطأة عن الحكومة ذاتها.. من دون أن نسهل الطريق لأي فريق حكومي بمستوياته
المختلفة وبمؤسساته المختلفة.. لا.. ما الذي أقصده وكيف.. أولاً وأول خطوة
لتسهيل الطريق أمام أية حكومة هو ألا ترفع سقف التوقعات فوق الممكن.. ألا
تقدم وعوداً غير قابلة للتنفيذ.
مشيرا الى أن هذه الآمال ترتفع وتكون النتائج المزيد من
الإحباط.. ويقضي المسؤول ومعه المواطن سنوات خلال فترة وجود الفريق الحكومي
أو المسؤول حسب كل قطاع يلهث خلف تحقيق هذه الوعود من دون القدرة على
تحقيقها.. ما هي النتيجة.. النتيجة المزيد من النقد والنقد الحاد للمسؤول..
هذا النقد الذي نتهمه أو نصفه بأنه نقد غير موضوعي.. على اعتبار أن هناك
ظروفاً فرضت عدم تنفيذ هذه الوعود.. لكن في الواقع ما هو غير موضوعي هو
الوعود التي قدمت.
بالنسبة للمواطن لا نستطيع أن نطلب منه أن
يحدد ما هو الممكن وما هو غير ممكن.. المواطن لديه مرجعية.. المرجعية هي ما
نعلنه في البيان الوزاري.. في التصريحات في السياسات المعلنة في أي صيغة
من صيغ الإعلان.. مرجعية المواطن هي ما نقوله وما نعد به.
فإذاً يقول سيادته : أول طريق لنسهل عمل الحكومة في هذه
الظروف الصعبة هي أن تكون هذه الحكومة حكومة الواقع لا حكومة الأحلام.. لا
أحد يريد سراباً.. لا المواطن ولا أنتم ولا أي شخص.. هذا الشيء يعكس في
البيان الوزاري.. بداية عبر بيان وزاري شفاف وواقعي ومبني بسياساته وبخططه
على الحقائق أي بالمختصر هو بيان الممكن لا بيان المأمول.
أحياناً نخلط بين الممكن والمأمول بالعمل
الرسمي.. لدينا الكثير من الآمال.. كل واحد فينا لديه الكثير من الآمال
والأحلام نستطيع أن نضع هذه الآمال في أي مكان ماعد السياسات والخطط.. هنا
لا يوجد آمال.. يوجد حقائق ويوجد وقائع.
الرئيس الأسد أكد أنّ ألف باء الواقعية التي أتحدث عنها هي أن المنظومة الحالية وخاصة الإدارية والاقتصادية لا يمكن أن تستمر.. هذا العنوان الأساس.
اليوم لو نظرنا إلى كل دول العالم بالمئات..
مئات من الدول أعتقد أن الدول التي تتبنى منظومات مشابهة لمنظوماتنا قد
تكون أقل من أصابع اليد الواحدة.. وأنا لو سئلت لا أذكر أية دولة بهذا
الاتجاه.. فهذا يعني بكل بساطة أننا نسير في اتجاه آخر.. لا يمكن أن يكون
معظم او الأغلبية الساحقة من دول العالم بالاتجاه الخاطئ ونحن فقط بالاتجاه
الصحيح.. والنتائج تدل على ذلك.. وأنا لا أتحدث عن نتائج الحرب بشكل عام
اتحدث عن سياق عمره عقود من النظام الإداري والاقتصادي.
السبب في هذا التأخر ليس جديداً هو سبب قديم
قبل الحرب وقبل ذلك بكثير.. لأنه كان لدينا بشكل عام في المجتمع السوري في
الوطن قناعة عامة بأن المنظومة جيدة وأن أي خلل هو خلل في الأداء.. خلل في
الإدارة.. خلل في الأشخاص لذلك كنا نبني آمالنا على تبديل الأشخاص وليس
على تبديل المنظومة.
هذا الرفض القديم لهذا التغيير أدى لنتيجة
واحدة أن الحكومات المتعاقبة ونحن كمسؤولين في الدولة اتبعنا سياسة الترقيع
وليس سياسة التغيير.. لو أتينا بقطعة قماش مهترئة وقمنا بترقيعها من وقت
لآخر فمع كل هذا الترقيع لا بد من أن تصل إلى مرحلة التآكل النهائي.. لذلك
سياسة الترقيع لم تعد نافعة.. وكل يوم نتأخر فيه بالإصلاح وبالتغيير سوف
ندفع ثمناً أكبر بكثير.. وسوف نصل لمرحلة التآكل الكلي التي يصبح معها
الإصلاح غير ممكن.. لذلك الزمن ضروري ومهم بالنسبة لنا جميعاً.:
علينا في هذا السياق أن نشرح السياسات بشكل
واضح السياسات الكلية العامة.. أن نشرح السياسات القطاعية.. أن نشرح
السياسات الوزارية.. نشرح عن الأسباب الموضوعية والدوافع والعقبات
والتحديات التي تدفع باتجاه تلك السياسات أو التي أحياناً تفرض علينا تلك
السياسات.. ليس بالضرورة أن تكون سياسات مبنية على قناعة.. أحياناً تبنى
بحسب الظروف التي نمر بها.. نشرح عن النتائج المتوقعة على الحالة العامة
للمواطنين على كل جوانب المعاناة سلباً أو إيجاباً.. نشرح عن إمكانية الحل
لكثير من المشكلات.. الحل إن كان كاملاً أو كان جزئياً أو عدم إمكانية حل
مشكلة ما.
السيد الرئيس أضاف قائلا : أما العناوين الجدلية وهي كثيرة لأننا في
مرحلة انتقالية.. فعلينا أن نشرح ماهي النتائج المتوقعة أو القيمة المضافة
لهذه السياسات.. وبالمقابل ما هو الثمن الذي سندفعه إن لم نتبع تلك
السياسات.. وعلى كل جهة في المجتمع وفي المؤسسات أن تتحمل مسؤولية قرارها
في هذا الموضوع.. هذا بالنسبة للسياسات :
طبعاً السياسات مهمة ولكن هناك شيء آخر
يوازيها أهمية هو آلية القرار في مجلس الوزراء وفي مؤسسات الدولة بشكل
عام.. أحياناً نرى أن السياسات العامة هي سياسات مناسبة.. وفي قطاع ما نرى
أن السياسة الوزارية أيضاً مناسبة ولكن نأتي للواقع نرى أن التطبيق لا
يتلاءم مع تلك السياسات.. نعتقد مباشرة بأن هناك سوءا في التنفيذ.. الحقيقة
ليست بهذا الاتجاه.. باتجاه آخر تماماً.. السبب هو أن هناك حلقة وسيطة بين
السياستين هي السياسات القطاعية.. نحن نعاني من ضعف في السياسات القطاعية
باعتبار أغلب القضايا والمواضيع والعناوين هي عناوين مرتبطة بأكثر من وزارة
في نفس الوقت.. هنا يكمن لدينا الضعف الكبير.. كيف نخطط وكيف نحدد سياسة
قطاعية.. وكيف نضع آليات مناسبة لتنفيذها ولقيادتها.. تشكيل فريق قطاعي..
هنا تكمن نقطة الضعف.:
الجانب الآخر بالنسبة للعمل الحكومي والقرار
هو البنى الإدارية المتشابكة بشكل غير منطقي لا يتناسب مع منطق المؤسسات..
لدينا بنى كثيرة: هيئات ومجالس عليا وغير عليا.. غير واضح أي منها يعمل في
اتخاذ القرار ويشارك الحكومة في اتخاذ القرار.. رغم أن هذا الكلام قد يكون
في بعض جوانبه غير دستوري.. البعض منها يشارك بالتخطيط.. البعض منها
استشاري ومن دون تحديد أسباب هذا التمايز.. نفس الشي بالنسبة للوزارات نرى
تداخلاً في الصلاحيات.. نرى ازدواجية في المهام وغير ذلك من الأمور على
مستوى القوانين التي صدرت عبر عقود من الزمن.
لدينا سؤال بالنسبة لهذه الجزئية والسياسات
القطاعية.. كثيراً ما نسمع مصطلحاً أو طرحاً بأنه لا يوجد تنسيق بين
المسؤولين.. الحقيقة أن سبب الخلل هو هذه النقطة وتحديدا السياسات القطاعية
لأن العلاقة بين المسؤولين في المؤسسات العامة هي ليست علاقة بين فريق
رياضي وفريق فني على المسرح.. يعتمد على التنسيق والتناغم بين الأشخاص بناء
على المواهب.. بناء على القدرات الفردية.
مؤكداً أنّ :التنسيق بين المؤسسات يكون عبر السياسات..
عندما لا تنسق السياسات لا يمكن للفريق أن ينسق.. ويصدر عن تلك السياسات
وتلك الآليات المختلفة التي ذكرتها قبل قليل آليات عمل واضحة.. هنا يكون
الربط بين الآليات الضعيفة وبين السياسات القطاعية غير الموجودة أو الضعيفة
بشكل عام
وأضاف : النقطة الثالثة بالنسبة للعمل الحكومي
والقرار الحكومي بشكل عام هي تشوه المفاهيم، وأنا سأعطي مثالاً واحداً فقط
قد يكون لدينا كثير من الأمثلة.. نصدر قانوناً لمؤسسة ونقول مؤسسة اقتصادية
بكل المنطق في كل العالم أن المؤسسة الاقتصادية تعني شيئاً وحيداً تعني أن
المؤسسة أسست لكي تربح.. لا يوجد مؤسسة اقتصادية أسست لكي تخسر.. هذا هو
المنطق.. لكن نحن نؤسسها بالقانون كمؤسسة اقتصادية.. ولكن بسياساتنا نجعلها
خاسرة.. نخسرها..لماذا هذا التناقض.. هل هي بالمنطق اقتصادية أم تتحول إلى
مؤسسة خدمية أم أي شيء آخر
لا يمكن أن يكون لدينا مفاهيم باتجاه
وسياسات باتجاه آخر.. هذا يعني تشوهاً بالعمل، كل أنواع العمل.. لا يمكن
لهذا التشوه بالمفاهيم وغيرها الكثير من المفاهيم أن يساعد الفريق الحكومي
على أن يبني سياسات مستقرة.. لأننا نبني شيئاً لنطبق عكسه.. وهذا الكلام
غير سليم.
صحيح أن إمكانيات سورية محدودة وليس بسبب
الحرب.. دائماً إمكانيات سورية محدودة بحكم الموارد الموجودة في هذا
الوطن.. المساحة.. الظروف المختلفة.. طبعاً الحرب جعلت هذه الموارد أكثر
محدودية.. ولكن أنا دائماً أقول إن مشكلتنا هي إدارة الموارد.. عندما يكون
لدينا سوء بالإدارة فسيكون لدينا سوء في إدارة كل القطاعات.. منها إدارة
الموارد سواء كانت موارد مادية أو موارد بشرية.
ولا نستطيع أن نعول كثيراً على ما يسميه
البعض الانفتاح على سورية.. الانفتاح ذو الطابع السياسي لن يقوم بحمل
الاقتصاد في سورية.. ليس بسبب الظروف السياسية أو الحصار أو الخوف من
العقوبات الغربية.. لا لا أبداً.. لو عدنا إلى مرحلة ما قبل الحرب ما هو
حجم الاستثمارات الأجنبية في سورية.. محدود جداً.. يعني بالأساس لم يبنَ
الاقتصاد السوري في أحسن الظروف على الاستثمارات الأجنبية.. فهناك نوع من
الوهم بهذا الإطار.
أولاً يجب أن نعتمد على أنفسنا.. ثانياً يجب
أن نتمكن من صنع سياسات قادرة على إدارة الموارد بشكل فعال.. وعندها سوف
نرى النتائج.. لذلك أنا أقول المشكلة أحياناً ليست عدم وجود موارد.. وإنما
أحياناً سوء توزيع بالنسبة للموارد على قطاعات المجتمع وعلى المواطنين. :
وقال : أمر على عدد من النقاط الأساسية التي
أعتبرها عناوين جوهرية.. أنا لا أتحدث أبداً عن أية وزارة من الوزارات..
مثلاً قانون العاملين الأساسي صدر في منتصف الثمانينات منذ حوالي أربعة
عقود.. وكان جوهر هذا القانون أن كل من يعمل في الدولة هو عامل مع فروقات
بسيطة.. ربما كان هذا القانون مناسباً لتلك المرحلة لكن العالم اليوم
تغير.. القطاعات تمايزت عن بعضها تمايزاً كبيراً وشديداً لدرجة أنها لم تعد
تتشابه في معظم الجوانب.. قطاع البنوك يختلف عن قطاع الإنشاءات.. يختلف عن
القطاع الصناعي.. يختلف عن القطاع الخدمي.. يختلف عن القطاع الإداري
وهكذا.
متسائلا : هل يمكن أن نطور الدولة بقانون واحد بدل عدة
قوانين متخصصة لكل قطاع من القطاعات.. هل يمكن بهذا القانون أن نتحدث عن
تطوير الدولة بدون قدرة الدولة على الحفاظ على ما تبقى لديها من كوادر جيدة
أو كفوءة.. أو هل تستطيع لاحقاً الدولة بنفس القانون أن تستعيد جزءا من
الكوادر أو أن تجذب كوادر متميزة.. أعتقد أن هذا الكلام غير صحيح وغير
ممكن.