سيرياستيبس :
راما العلاف
شهد القطاع العام خلال السنوات الأخيرة تسرباً كبيراً في الموظفين، أعادها بعض المهتمون بالتنمية الإدارية إلى عدد من العوامل منها تدني الرواتب والأجور، إلى جانب بعض قرارات وزارة التنمية الإدارية، إضافة لعدم كفاءة وخبرة بعض المديرين، الأمر الذي نتج عنه إفراغ بعض المؤسسات من الموظفين الأكفاء وخاصة في المؤسسات المصرفية وقطاع التأمين.
الأستاذ في إدارة الأعمال كلية الاقتصاد جامعة دمشق الدكتور زكوان قريط أكد : أن مشكلة التسرب الوظيفي أحد أهم المشاكل التي يعاني منها القطاع العام والتي يجب علاجها في أسرع وقت ممكن، معيداً أسبابها إلى ضعف الرواتب والتعويضات المالية إذ إنه عندما يشعر الموظف أن راتبه لا يتناسب مع حجم المسؤوليات التي يتحملها والمجهود الذي يبذله، أو أنه أقل من متوسط الرواتب في السوق، فإنَّه يميل إلى البحث عن فرص عمل أفضل توفر له عائداً مادياً أكبر، بالإضافة إلى ذلك غياب الحوافز والتعويضات الإضافية مثل المكافآت والعلاوات مما يقلل من دافع الموظفين للبذل والعطاء؛ فالرواتب والتعويضات ليست مجرد أرقام، بل تعبير عن تقدير الشركة أو المؤسسة لمجهودات الموظفين ومساهمتهم في تحقيق أهدافها.
بيئة سامة
وأضاف إن بيئة العمل غير الصحية «السامة» التي تتسم بالعلاقات المتوترة بين الموظفين والإدارة، أو انتشار السلوكيات السلبية مثل التنمر، وعدم الاحترام، والضغط المستمر من دون تقديم الدعم الكافي تسبب شعوراً بالإرهاق النفسي والجسدي للموظفين، مما يدفعهم للتفكير في ترك العمل بحثاً عن بيئة أكثر إيجابية وتوازناً.
ولفت قريط إلى أن عدم وضوح الأدوار والمسؤوليات بحيث لا تكون الأدوار والمسؤوليات محددة بوضوح، يجد الموظفون أنفسهم في حالة من الضياع والارتباك بشأن ما هو متوقع منهم وبالتالي فإن هذا قد يؤدي إلى شعور الموظفين بغياب العدالة في توزيع المهام، حيث قد يشعرون بأنَّهم يقومون بمهام تفوق طاقتهم أو لا تتناسب مع مستوى خبراتهم مقارنة بزملائهم؛ مما يؤدي تدريجياً إلى غياب الرضا الوظيفي وزيادة مستوى التوتر والضغط النفسي، مما يدفعهم للبحث عن فرص عمل أخرى توفر لهم وضوحاً واستقراراً أكبر، إضافة إلى عدم وجود فرص التطور المهني إذ يسعى الموظفون بطبيعتهم للنمو والتقدم في مسارهم المهني، سواء من خلال الترقيات، أم التدريب المستمر، أو اكتساب مهارات جديدة؛ وعندما يفتقرون إلى هذه الفرص في بيئة عملهم الحالية، يبدأ الشعور بالإحباط والتململ يتسلل إليهم، حيث يشعرون بأنَّهم محصورون في وظائفهم من دون أفق واضح للتقدم. بالإضافة إلى ذلك، غياب التطور المهني يمكن أن يؤدي إلى فقدان الدافعية والإنتاجية، حيث يصبح العمل روتينياً ولا يشكل تحدياً جديداً للموظف.
حلول
والحل برأي قريط أنه هو بإعادة النظر بمستويات الرواتب والتعويضات والحوافز التي تعد أحد أهم الأسباب التي تعزز الرضا الوظيفي، لذا يجب توفير تعويضات تنافسية لجذب واحتفاظ أفضل الكفاءات وتقديم حوافز إضافية، والإسراع في تطبيق قانون الحوافز الجديد الذي عملت عليه الحكومة، إضافة إلى أهمية تطوير المسارات الوظيفية والمهنية للموظفين وضرورة إعادة النظر في خلق فرص التطور المهني من خلال توفير برامج تدريب وتطوير مهني مناسبة، وإعطاء الموظفين فرصاً للترقي الوظيفي.
وأشار إلى أهمية تحسين بيئة العمل عبر خلق جو عمل إيجابي ومحفز، من خلال تعزيز التواصل بين الموظفين والإدارة، وتقليل الضغوط النفسية، وبناء علاقات عمل قائمة على الاحترام والثقة المتبادلة، كما يجب القضاء على أي ممارسات مضرة أو سامة قد تؤثر سلباً في الموظفين، مثل التحيز أو التمييز.
ولفت إلى أن قانون الحوافز يعتبر هاماً في حال تم تطبيقه بشكل عادل مما سيساهم من تخفيف ظاهرة التسرب وكذلك التوزيع المناسب للكفاءات الإدارية على مختلف قطاعات مؤسسات القطاع العام، وطالب قريط بزيادة رواتب علاجية تبدأ بـ100 بالمئة ومن ثم تتبعها زيادات لتصل إلى مستويات مقاربة لرواتب القطاع الخاص ومترافقة مع نظام للحوافز بحيث يتم تطبيقه بشكل عادل يتناسب مع إنتاجية العمل.
وأكد أن ظاهرة التسرب الوظيفي ظاهرة تؤرق الشركات إذ تتجلى في ترك الموظفين عملهم طواعية، مما يكبِّد الشركات خسائر فادحة، سواءً على المستوى المادي نظراً لارتفاع التكاليف المباشرة لعمليات التوظيف، أم من حيث صعوبة تعويض النقص الحاصل في المهارات والخبرات. وفي حين يخلط البعض بين هذه المشكلة ودوران العمل، إلا أن الفرق بين دوران العمل والتسرب الوظيفي يكمن في أن الأول يشير إلى الحركة الإجمالية للموظفين داخل وخارج الشركة خلال فترة زمنية معينة (التعيين، الاستقالة، التقاعد)، في حين أن التسرب يشير تحديداً إلى مغادرة الموظفين للعمل في شركة أخرى.
في الختام وانطلاقاً من أهمية الثروة البشرية في إدارة أي مشروع اقتصادي فمن الضروري أن يتم تقييم معدل الدوران الوظيفي لأي منشأة اقتصادية كما يتم تقييم أرباحها وتنفيذها لخططها الإنتاجية، ومحاسبة الإدارة التي يتجاوز معدل التسرب الوظيفي لديها نسب معينة من شأنها الإضرار بأداء المنشأة بشكل يؤثر في مستقبلها.