سيرياستيبس
بادية الونوس
الفاقد المائي في مقدمة أسباب ضياع مياه الشرب، خاصة إذا ما عرفنا أن نسبته
تتراوح بين 40-45 % من إجمالي الفاقد. وفي هذا الصدد أكد الدكتور بشار
المفتي محافظ دمشق الأسبق والأستاذ في كلية الهندسة المدنية أن دراسة أجريت
في جامعة دمشق أثبتت أن نسبة الفاقد الناتج عن أعطال العدادات تشكل نسبة
بحدود 70%، بينما يتحدث مدير عام مؤسسة مياه الشرب
عن خطوات روتينية من دون الإفصاح عن نسبة حقيقية للفاقد، وبالتالي تحديد
جوهر المشكلة، علماً أن أول مبررات المؤسسات المعنية بعدم تأمين مياه الشرب
للناس هو أن البلاد تعاني من شح في الموارد المائية، لكن لم يعترف أحد
بسوء الإدارة بدءاً من تلك الموارد.
ونقصد بسوء الإدارة هنا الاستثمار غير الصحيح للموارد، وتجاهل نسب الهدر
الكبيرة. إذاً ما العوامل التي تتسبب بهذه النسب الخطرة من الفاقد وبالتالي
خسائر اقتصادية؟ وهل من إجراءات يمكن أن تخفض من هذه النسب، وما
الاقتراحات؟
قيمة متغيرة
بداية لنكن منطقيين، ففي كل دول العالم يوجد ضياع لمياه الشرب، لكن المشكلة
لدينا أننا نقول إن لدينا فاقداً من دون الإعلان عن النسبة الحقيقية، وهذا
مؤشر على الإدارة التي تدير هذه الجهات لأن تحديد المشكلة نصف الحل!
يتحدث د. محمد بشار المفتي بعين الخبير عن الفاقد المائي بأنه يعد فاقد
المياه مستهلكاً لا يمكن تجنبه، وتتغير قيمته من بلد إلى آخر، ومن مدينة
إلى أخرى في البلد نفسه، وتتراوح قيمته في الدول المتقدمة بين 8-20% من
كمية المياه المرسلة في الشبكة، وهو الحد الأعظمي المقبول فنياً واقتصادياً
للفاقد وفقاً للاتحاد الدولي للمياه IWA، أما في الدول النامية فتصل قيمته
إلى 35% من كمية المياه المرسلة في الشبكة وقد تصل إلى 50%.
د. المفتي: تنتشر التعديات على شبكة المياه بشكل خاص في مناطق المخالفات والأحياء الشعبية بسبب ضيق الشوارع وسهولة الوصول لأنابيب الشبكة
ووفق د. المفتي فإن فاقد الشبكة يقسم إلى قسمين رئيسيين: فاقد فيزيائي ويسمى فاقداً حقيقياً وفاقداً إدارياً، ويسمى أيضاً فاقداً ظاهرياً، مؤكداً أن الفاقد الحقيقي هو مياه أرسلتها مؤسسة المياه في الشبكة، لكنها لم تصل إلى المستهلك ولم تقبض المؤسسة ثمنها، وهي المياه المتسربة من الأجزاء المختلفة لنظام الإمداد بالمياه (أنابيب، صمامات، خزانات)، أما الفاقد الإداري فهو مياه أرسلتها مؤسسة المياه في الشبكة ووصلت إلى المستهلك وقام باستهلاكها، لكنه لم يدفع ثمنها، وتقسم بدورها إلى قسمين: مياه استهلكت بشكل قانوني وأعفيت من الدفع مثل مياه الإطفاء والمياه المزودة لدُور العبادة، وهناك مياه لم يدفع ثمنها بسبب أخطاء العدادات، وأخطاء نظام الفوترة، وسرقة المياه من الشبكة.
أخطاء العدادات
أما في سورية فتشكل أخطاء العدادات نسبة كبيرة من فاقد المياه، فالعمر
المجدي للعداد سبع سنوات، وهناك عدد كبير من العدادات صنع مؤسسة معامل
الدفاع ركبت منذ ما يزيد على عشر سنوات ولم تستبدل أو تتم صيانتها، وتصل
نسبتها إلى ما يقارب 70% من العدادات المركبة في دمشق، ووفق د. المفتي فإن
هذه العدادات تعطلت نهائياً أو فقدت حساسيتها بحيث تعطي قراءات قد تصل إلى
نصف الاستهلاك الفعلي أو أقل من ذلك. وفي حال العطل النهائي للعداد يتم
تقدير كمية المياه المستهلكة بشكل تقريبي بما يتناسب مع استهلاك الجوار
مهما كان استهلاكه، وفي كلتا الحالتين يعتاد السكان على هدر المياه، لكونهم
يدفعون مبالغ بسيطة رغم الهدر الكبير، مضيفاً: أثبتت دراسة أجريت في جامعة
دمشق أن نسبة الفاقد الناتجة عن أعطال العدادات تشكل نسبة بحدود 70% من
الفاقد الكلي.
د. المفتي: نسبة الفاقد الناتجة عن أعطال العدادات تشكل نسبة بحدود 70% من الفاقد الكلي حسب دراسة أجريت في جامعة دمشق
التعديات في المخالفات
تنتشر التعديات على شبكة المياه بشكل خاص في مناطق المخالفات والأحياء
الشعبية بسبب ضيق الشوارع وسهولة الوصول لأنابيب الشبكة، ولا تتوفر قياسات
موثقة عن كمية المياه المسروقة، ومن وجهة نظر د.المفتي فإن المشكلة
الأساسية في هذه الحالة ليست كمية المياه التي لا يدفع ثمنها فقط، بل طريقة
السرقة، حيث تستخدم وصلات رخيصة منفذة بشكل مخالف للأصول الفنية، ما يتسبب
برشح مستمر من الشبكة وضياع كميات كبيرة من المياه.
وأكد المفتي أنه من السهل التخلص من الفاقد الإداري، حيث يمكن تحديد
العدادات القديمة والعاطلة، كما يمكن وضع جدول أفضليات لتبديلها أو
صيانتها، وكذلك يمكن بقليل من الجهد حصر سرقات المياه من الشبكة العامة وإزالة الوصلات المخالفة، وهذا يتطلب وجود كوادر مؤهلة.
الشبكة جديدة نسبياً
يبدو للوهلة الأولى أن عمر الشبكة قديم جداً، حتى إن البعض اعتبرها منذ
أيام الحقبة العثمانية وتحتاج إلى تجديد، وهذا ما نفاه د. المفتي، مؤكداً
أنه بدأ تجديد شبكة مياه دمشق في عام 1976 وانتهى عام 2004، وبالتالي
فالشبكة جديدة نسبياً، والتنفيذ تم بأنابيب (فونت) مرنة فرنسية ويابانية
مطابقة للمواصفات العالمية، وبالتالي لا يمكن القول إن الشبكة قديمة.
المفتي: بدأ تجديد شبكة مياه دمشق في عام 1976 وانتهى عام 2004 وبالتالي فالشبكة جديدة نسبياً والتنفيذ تم بأنابيب (فونت) مرنة فرنسية ويابانية مطابقة للمواصفات العالمية
وأضاف: خلال الأزمة وما بعدها حصلت العديد من التعديات على الشبكة، وتعرضت بعض أجزائها لأضرار نتيجة الأعمال الحربية في المناطق التي خرجت عن سلطة الدولة، كما أن هروب الخبرات الفنية أو تقاعدها بسبب تجاوزها للسن القانونية أدى إلى ندرة أو غياب الكوادر الفنية المؤهلة في مؤسسات المياه، ومنها مؤسسة مياه دمشق، إضافة إلى ضعف الموارد المالية الناتج عن الفاقد المالي الكبير بسبب ضياع كميات كبيرة من المياه، وهذه العوامل مجتمعة تسببت بتدهور عمليات الكشف والصيانة الدورية، وبالتالي فمن المتوقع أن تكون كميات الرشح من الشبكة والصمامات قد ازدادت.
دراسة
وأكد د. المفتي أنه في دراسة أجريت في جادات المهاجرين الأولى والثانية
والثالثة، وهي منطقة تعد ظروف عمل الشبكة فيها مثالية، بلغ فاقد الشبكة
بحدود 36% من كمية المياه المرسلة في الشبكة، وبالتالي يتوقع أن يبلغ
الفاقد في الشبكة كاملة بحدود 40-45% من كمية المياه المرسلة في الشبكة.
اقتراحات
تتطلب السيطرة على الفاقد القيام بعدد من الخطوات، تبدأ بخطوات بسيطة
وتنتهي بخطوات معقدة. ويقترح د.المفتي أن تشمل: استبدال العدادات القديمة
بأخرى جديدة، وإصلاح وصيانة العدادات التي لا تزال صالحة للاستخدام، تدريب
وتأهيل المهندسين والعناصر الفنية في المؤسسة على أن يتبع الدورات
التدريبية امتحان فعلي ونقل العناصر الراسبة في الامتحان إلى جهات أخرى،
تطبيق نظام حوافز فعال وليس شكلياً لتحفيز العناصر على العمل (يمكن أن يكون
نسبة من الوفورات التي يمكن تحقيقها).
تشرين