سيرياستيبس :
كشف المؤتمر الدولي الأول للرابطة السورية للأطباء النفسيين الذي عُقد الأسبوع الماضي في دمشق عن واقع غير مرضٍ للطب النفسي في سورية، فالموجود من أطباء ومعالجين ومشافٍ متخصّصة لا يلبي احتياجات شرائح المجتمع، عدا عن غياب قانون خاص بالصحة النفسية يتوافق مع المعايير الدولية، ويضمن حقوق المرضى، فيما يتعلق بإجراءات العلاج الإلزامي، والتأمين الصحي، ووجود أحكام لمكافحة الوصم والتمييز ضد الأشخاص المصابين باضطرابات نفسية، حيث ما تزال هناك نظرة مجتمعية قاصرة للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية، إذ يعتقد الكثيرون بأن من يراجع الطبيب النفسي هو أشبه “بالمجنون”.
هذا الاعتقاد الخاطئ جعل الكثير من المرضى النفسيين يحجمون أو يتردّدون في زيارة العيادات النفسية، خوفاً من “العيب” وعلى الرغم من معاناتهم الشديدة من الاكتئاب النفسي وعُصاب القلق النفسي، وغير ذلك من المشكلات النفسية التي زادت كثيراً خلال سنوات الحرب، وانتشار فيروس كورونا.
القانون أولاً
الدكتور مازن خليل رئيس الرابطة السورية للأطباء النفسيين لم يخفِ أن واقع الطب النفسي في سورية يعاني من المشكلات التي تنعكس بشكل سلبي على حالة المرضى، وبرأيه، آن الأوان لكي تحتلّ الصحة النفسية المكانة التي تستحقها ضمن المنظومة الصحية الشاملة، كونها باتت ملحة وحتمية، فهي تشكل درعاً واقياً وحصناً منيعاً للمناعة المجتمعية التي تمكّن الأفراد من التعاطي الإيجابي والفاعل مع مختلف التحديات والضغوظات التي تفرضها متطلبات الصحة، مؤكداً أن تعزيز الواقع الصحي النفسي يحتاج أولاً إلى قانون لنبعد الوصم والتمييز عن المرضى، ومن أجل ضبط سلوك الأطباء والمعالجين والمرشدين النفسيين والاجتماعيين بهدف أن يأخذ كلّ واحد دوره، وبذلك تتكامل مسارات الصحة النفسية، مشيراً إلى أن المؤتمر خرج بتوصية مهمة أكدت على إحداث أو إصدار قانون بشأن الصحة النفسية، بحيث يشمل تعريفات دقيقة للاضطرابات النفسية، وحقوق المرضى، وإجراءات العلاج الإلزامي، وآليات الرقابة والمتابعة، آملاً أن يتمّ متابعتها بشكل سريع، أما الأمر الثاني الذي يحتاجه تطوير الواقع الصحي النفسي، بحسب الدكتور خليل، فهو تأمين صحي للمرضى يشعرهم بالأمان، فتكاليف العلاج غالية جداً وتستلزم الكثير من المصاريف.
عدد قليل
واشتكى الدكتور خليل من النقص الحاد بعدد الأطباء النفسيين، قياساً بعدد السكان في سورية، حيث لا يتجاوز عددهم الـ 75 طبيباً نفسياً، معللاً السبب بهجرة العديد منهم بعد التخرّج، وخاصة في السنوات الأخيرة، وعدم وجود الحوافز المشجّعة، وهنا طالب بالاهتمام بالأطباء النفسيين وكل العاملين في مجال الطب النفسي، لأن طبيعة العمل مع المرضى النفسيين صعبة جداً وتحتاج لجهود كبيرة من المفروض أن يتمّ تقديرها من قبل الجهات المعنية، من خلال زيادة التعويضات بنسب كبيرة بشكل مستمر من أجل أن نحافظ على الكوادر الطبية والعاملين في مجالي الإرشاد النفسي والاجتماعي.
ذلك لم يحصل!
وفي سياق ردّه على أسئلة “البعث” أشار رئيس رابطة الأطباء النفسيين إلى وجود واقع صعب في بعض المشافي الخاصة بالمرضى النفسيين، لافتاً إلى وجود مطالبة قديمة من قبل الرابطة لوزارة الصحة بالاهتمام بواقع الصحة النفسية وجعلها من أولويات عملها، لكن ذلك لم يحصل باستثناء بعض المبادرات الشخصية، لم تكن كافية، لأن النهوض بواقع الطب النفسي لجهة العلاج والخدمات الاجتماعية يتطلب تنسيقاً وثيقاً بين مختلف التخصّصات وتطوير بروتوكولات مشتركة للتشخيص والعلاج، تشارك فيها كل الجهات صاحبة العلاقة.
ولفت خليل إلى أهمية زيادة الدعم المالي والمؤسسي للبحوث في مجال الصحة النفسية، والتركيز على الدراسات الوبائية لفهم انتشار الاضطرابات النفسية في المجتمع السوري، وتطوير تدخلات علاجية مناسبة.
ضعيف جداً
ولم يبتعد رأي الدكتور خالد كولي نائب رئيس رابطة الأطباء النفسيين القادم من حلب عن الرأي السابق، حيث أشار إلى وجود واقع غير مرضٍ للطب النفسي في سورية، ووصفه بالضعيف نتيجة غياب الاهتمام المطلوب من قبل المعنيين، داعياً إلى دعم توصية المؤتمر الخاصة بتصميم وتنفيذ برامج وطنية للوقاية من الاضطرابات النفسية وتعزيز الصحة النفسية الإيجابية، من خلال وسائل الإعلام على شكل حملات توعية مجتمعية وبرامج في المدارس وأماكن العمل، وتدريب العاملين في الرعاية الصحية الأولية على اكتشاف وإدارة المشكلات النفسية، كما أكد على إصدار قانون خاص بالصحة النفسية ينظم العمل بهذا المجال بما يساهم في الارتقاء بالخدمات المقدّمة للمرضى والأطباء أيضاً، وكافة العاملين بهذا المجال الصعب.
لا يرضي أحداً
وقال الدكتور محمود جباوي إن واقع الطب النفسي والمعاينات والمعالجات النفسية بمختلف أشكالها ومراحلها لا يرضي أحداً، محملاً المسؤولية لوزارة الصحة، ولغياب القوانين الناظمة للطب النفسي، وأيضاً لغياب الوعي بأهمية وضرورة المعالجات النفسية، معرباً عن أسفه من وجود ناس يفضّلون التداوي والعلاج بالطب العربي، أو عند المشعوذين، وأضاف جباوي: علينا أن نتخلّص من هذه العقدة أو الوصمة لأن الاضطرابات النفسية على اختلاف أنواعها ومستوياتها تؤدي إلى شلل قدرات المجتمع، فالناس اليوم متأزمة نفسياً نتيجة الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي نعيشها جرّاء الحرب ومخلفاتها.
وبخصوص رأيه بالخدمات التي تقدّم للمرضى النفسيين في مشفى ابن سينا، لم يتردّد جباوي بتحفظه الشديد على هذه الخدمات، مشيراً إلى أفضلية الخدمات في مشفى ابن رشد بدمشق، وابن خلدون بحلب، وعزا سبب ضعف الأداء في مشفى ابن سينا إلى سوء الخدمات نتيجة قلة الكادر الطبي والإداري، حيث يوجد أربعة أطباء اختصاصيين وسبعة أطباء مقيمين وهو عدد غير كافٍ لمشفى يتسع لنحو 500 سرير، وأشار جباوي إلى وجود مرضى مضى على وجودهم في المشفى أكثر من عشر سنوات، متسائلاً عن مصير علاجهم!.
تكامل المسارات
ودعت الدكتورة ازدهار عرابي إلى ضرورة تعزيز التكامل بين مسارات الصحة النفسية، والعمل على تطوير نموذج رعاية متكامل يجمع بين الطب النفسي والعلاج النفسي والخدمات الاجتماعية، مشيرة إلى أن الشعب السوري ونتيجة الظروف التي يمرّ بها أصبح لديه الكثير من الأزمات، لذا فهو بحاجة إلى دعم نفسي لا زالت المؤسسات والجهات المعنية عاجزة عن تقديمه، وفيما يخصّ المرضى النفسيين طالبت بضرورة توسيع نطاق التغطية التأمينية لتشمل خدمات الصحة النفسية بشكل شامل، وذلك من خلال سنّ تشريع يشمل حق المريض النفسي بتلقي علاجه دون أي إشكالات ومضاعفات تؤدي إلى تأزم حالته.
كما طالبت بالعمل التشاركي كفريق عمل واحد يجمع وزارات الصحة والتربية والتعليم والشؤون الاجتماعية، والعمل بهدف وضع إستراتيجية عمل واضحة المعالم والأهداف، مؤكدة على أهمية دور الإعلام بهذا الخصوص.
منصات رقمية
الدكتور معتز الدالاتي لفت إلى توصية مهمّة خرج بها المؤتمر بخصوص الاستثمار في تطوير منصات رقمية آمنة لتقديم خدمات الصحة النفسية عن بعد، متمنياً أن يؤخذ هذا المقترح على محمل الجد، وأيضاً فيما يتعلق بإنشاء نظام وطني لمراقبة جودة خدمات الصحة النفسية، ومراجعة وتحديث مناهج الطب النفسي وعلم النفس في الجامعات السورية.
حبر على ورق
وقالت الدكتورة سيلفا حداد إننا اليوم بأمسّ الحاجة إلى وضع خارطة طريق لتطوير منظومة صحة نفسية شاملة وفعالة، تساهم في تحسين جودة ما يُقدم للمرضى النفسيين بشكل خاص، وللدعم النفسي لكافة أفراد وشرائح المجتمع، مشيرة إلى أن الطب النفسي شهد تطورات كبيرة في كل دول العالم خلال السنوات الماضية، وحقق طفرات إيجابية في مجال علاجات الأمراض النفسية، متمنية أن تشهد مشافينا قفزة في المعالجات والتعامل مع المرضى النفسيين الذين يحتاجون للكثير من الدعم، مؤكدة على ضرورة تنفيذ توصية المؤتمر فيما يخصّ إيجاد تشريع ينظم العمل بالطب النفسي، متمنية ألّا تبقى باقي التوصيات حبراً على ورق!.
هامش..
أثناء الحديث مع الدكتور مازن خليل رئيس الرابطة السورية للأطباء النفسيين، ذكر أن 30% من المجتمع السوري يعانون من الاضطرابات النفسية المتعدّدة من الأزمات تحت ما يسمّى صحة نفسية ما بين شديدة وخفيفة، وأن 3% منهم يعانون من أزمات شديدة جداً!، الأمر الذي يستدعي زيادة الدعم المالي والمؤسسي للبحث في مجال الصحة النفسية والتركيز على الدراسات الوبائية لفهم انتشار الاضطرابات النفسية في المجتمع السوري، وتطوير التدخلات العلاجية المناسبة ثقافياً.
البعث
المصدر:
http://syriasteps.net/index.php?d=127&id=199945