دعا الى اتباع استراتيجية طويلة الأجل تسهم في زيادة الشمول المالي
اعلامي سوري : يكتب في إشكالية التفاوت في الدخل والنمو الاقتصادي
سيرياستيبس
كتب الاعلامي قسيم دحدل :
إذا
انطلقنا من أن النمو الاقتصادي يعدّ من أهم الأهداف الاقتصادية الكلية
التي تسعى لها دول العالم، وخاصة النامية، فإن هذا يقودنا إلى طرح أهمية
العلاقة بين النمو الاقتصادي والتفاوت في الدخل (توزيع الدخل)، نظراً لكون
هذا التفاوت أحد المعوقات الأساسية للتنمية المستدامة، لأنه يسهم في عدم
الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وبناءً عليه فالسؤال الذي يُطرح في هذا
الشأن هو: هل يعدّ التفاوت في الدخل أحد محدّدات النمو الاقتصادي أم لا،
وماذا عن الحالة السورية في هذه العلاقة؟
برأينا
أن الإجابة عن هذا السؤال، استناداً لتباين الأدبيات الاقتصادية، النظرية
والتطبيقية الخاصة بهذه العلاقة، يجب أن تمرّ أولاً بسؤال محرج، ألا وهو:
هل لدينا في سورية قبل الأزمة أو ما بعدها، أية دراسة اهتمّت بأثر التفاوت
في الدخل على النمو الاقتصادي..؟
باعتقادنا
لا يوجد، لا خلال “الطفرة الاقتصادية” قبل الأزمة، ولا خلال الأزمة
المستمرة، وهذا يعود إلى عدم اهتمام والتفات الحكومات السابقة إلى أولويات
ذلك للأسف، وحين أصبح من الضروري إجراء مثل هذه الدراسات كي نبني على الشيء
مقتضاه، لم نعد نملك رفاهية الوقت والظروف لإجراء الدراسات الموجهة
والمتخصّصة بذلك. وللعلم، فإن تحديد القنوات التي ينتقل من خلالها أثر
التفاوت في الدخل إلى النمو الاقتصادي يوضح ويعكس عاملاً مهماً وهو مقدار
التكاليف التي يتحمّلها الاقتصاد بنتيجة زيادة التفاوت في الدخل، كما يكشف
غياب التحديد عدم وجود سياسات حكومية فعّالة لإعادة توزيع الدخل، ولعلّ هذا
ما نلمس منعكاساته المؤلمة في موضوع (الدعم)، على سبيل المثال لا الحصر،
وإن كان – وفقاً للبعض – أثر التفاوت على النمو يأتي في المرتبة الثانية
مقارنة بمحدّدات نمو رئيسية کالتراکم الرأسمالي ورأس المال البشري والتقدم
التكنولوجي، إلا أننا وفي الحالة الاقتصادية السورية المعقدة والصعبة،
نواجه شبه فقدان لما ذُكر من محدّدات، نتيجة لتشوهات اقتصادية ومالية
وإدارية بنيوية، وهذا الغياب هو ما يعكس الخلل القائم في العلاقة ما بين
التفاوت في الدخل والنمو الاقتصادي، ولاسيما بعد أن وصلت الدخول إلى أدنى
مستوياتها، الأمر الذي سيؤثر سلباً على النمو الاقتصادي، والعكس صحيح..
فماذا سنفعل؟!.
خلال
بحثنا إن كان هناك شيء عن علاقة التفاوت والنمو، لم نجد ما يمكن الاعتداد
به أو ذا قيمة تذكر، اللهم سوى بعض التصريحات الوزارية الواردة ضمن سياق
أخبار اقتصادية، ومنها ما صرّح به وزير المالية في حكومة الجلالي قبل
يومين، حيث أتى على ذكر النمو الاقتصادي وعلاقة ذلك بتخفيض نسبة العجز في
الموازنة العامة لعام 2025، فقال: “العجز في الموازنة هو أحد أهم المؤشرات
ضمن الموازنة العامة للدولة للعام 2025، حيث تمّ تخفيض نسبته إلى 21%،
علماً أنه كان في الموازنة العامة للدولة لعام 2024 بنسبة 26%”، وهذا العجز
المقدّر تقديراً حسب الوزير، وهذا التخفيض، “مفيد لأنه عبارة عن حالة صحية
يعزّز من معدلات أو وتائر النمو في الاقتصاد”. كما أضاف معتقداً -لا
جازماً ولا مؤكداً- أن موازنة عام 2025 ستساهم في تعزيز معدلات التنمية
الاقتصادية في سورية؟!. أما.. وكيف يمكن لتخفيض العجز، والموازنة بشكله
وأرقامها التي تمّ الإعلان عنها، يمكنهما تعزيز معدلات النمو والتنمية،
وأثر التفاوت بالدخل على النمو الاقتصادي وبالعكس، فلا حسّ ولا خبر!!.
برأي
خبراء، إن وضع أي استراتيجية للحدّ من الأثر السلبي للتفاوت في الدخل على
النمو الاقتصادي تتطلّب الترکيز على القنوات الأکثر فعالية في نقل أثر
التفاوت في الدخل للنمو الاقتصادي، والسعي لتفعيل أثر بعض القنوات غير
الفعّالة التي تنقل أثر التفاوت للنمو، قد يكون عبر عدة خطوات، ومنها:
اتباع سياسات مالية لإعادة توزيع الدخل للحدّ من التفاوت في الدخل بين
الشرائح الغنية والفقيرة، لخفض الأثر المحتمل لهذا المتغيّر على النمو
الاقتصادي، مع الالتزام بالمعدلات المثلى للضرائب بما لا يخلّ بهدف النمو
الاقتصادي. كذلك الترکيز على توجيه إنفاق عام أعلى لقطاع التعليم، والعمل
على تحقيق التوازن بين الطلب على العمل وعرض العمل لزيادة کفاءة قناة رأس
المال البشري، واتباع سياسات ائتمانية تسهم في توزيع الائتمان المحلي
للقطاع الخاص على عدد کبير من المشروعات، مع الترکيز على المشروعات الصغيرة
عبر تقديم القروض اللازمة بمعدل فائدة متميّز، وفترات أطول لسداد القروض،
وأيضاً تقديم حوافز وامتيازات للمشروعات التي يسهم فيها صغار المستثمرين،
للحدّ من أثر التفاوت في الدخل على دعم قناة التراکم الرأسمالي.
وليس
أخيراً، اتباع استراتيجية طويلة الأجل تسهم في زيادة الشمول المالي (أي
إتاحة مختلف الخدمات المالية للاستخدام من قبل جميع فئات المجتمع من خلال
القنوات الرسمية بجودة وتكلفة مناسبة مع حماية حقوق المستفيدين من تلك
الخدمات، بما يمكنهم من إدارة أموالهم بشكل سليم) لزيادة معدل الادخار
المحلي للطبقات الصغيرة والمتوسطة في مستوى الدخل، بعد أن ذهبت الأوضاع
الاقتصادية بكل مدخراتهم!.
Qassim1965@gmail.com
المصدر:
http://syriasteps.net/index.php?d=131&id=200068