اضطررت ذات مرة لافتعال مشاجرة صاخبة مع مدير مكتب صحفي في إحدى الوزارات، وذلك بغية إيهام الوزير أن علاقتي بذلك الشخص قد ساءت، الأمر الذي يعني أنه لن يكون مضطراً مع كل مقال أكتبه عن عمل تلك الوزارة لتلقي الاتهامات و التأنيب كونه لم يمارس صداقته عليّ و يمنعني بالتالي من تناول أداء الوزارة بالنقد... ومنذ ذلك و أنا أحاول عدم الاقتراب كثيراً من المكاتب الصحفية في الوزارات و الجهات العامة، كي لا أعُرض عامليها وزملاءنا بها لأي نقد أو تأنيب من إداراتها.
رغم كثير من المواد الإعلامية التي حاولت تشخيص مشكلة المكاتب الصحفية التابعة للمؤسسات و الوزارات، إلا أنها لا تزال تحافظ على وضعها كجهة مهمتها فقط قص المواد المنشورة المتعلقة بعمل الجهة العامة و إرسال الردود، و إذا ما كان هناك هامش أوسع من الحرية و الصلاحية فيمكنها أن تكتب هي الردود و تطلب موعداً لصحفي من مدير في الوزارة أو المؤسسة...
المشكلة ليس سببها فقط بعض العاملين في هذه المكاتب، بل أيضاً معظم الإدارات و نظرتها إلى عمل هذه المكاتب و مهامها و الغايات التي يمكن أن تحققها، لدرجة أن أقصى ما يمكن أن تمنح هذه المكاتب هو تزويدها بفاكس
و سيارة قديمة لمدير المكتب...
اليوم هناك فرصة مهمة لإعادة النظر بعمل هذه المكاتب ونفض الغبار السميك الذي اعتلى طاولاتها و أداء موظفيها، فجميع الوزارات والجهات العامة أصبح لديها مواقع الكترونية و جميعها أيضاً يحتاج لعمل ترويجي ودعائي و خلق قناة للتواصل مع المواطن كمستهلك للخدمة أكثر من أي وقت مضى، لذلك يمكن استغلال الإمكانات البشرية لبعض المكاتب الصحفية وتدعيم بعضها الآخر في هذا المشروع...بمعنى آخر تحويل هذه المكاتب لمراكز إعلامية حقيقية تتولى مهمة إعداد المواد الإعلامية ونشرها و رصد ما يكتب في جميع وسائل الإعلام التقليدية أو الالكترونية.
ولا أعتقد أن هناك جهة عامة واحدة لا يخدمها مشروع المركز الإعلامي سواء أكانت خدمية أم اقتصادية، فمثلاً مؤسسات الكهرباء و المياه التي يشغل بالها ترشيد الاستهلاك و معالجة شكاوى المستهلكين هي في خانة المستفيدين حتماً من هذا المشروع، والشيء نفسه بالنسبة لجميع الوزارات.
لكن... كيف يمكن تحويل المكاتب الصحفية إلى مراكز إعلامية متطورة تكون مصدرا أساسياً للمعلومة؟!.
إذا ترك الأمر لنفس الإدارات فهي لن تتحول إلا بعد عشرة قرون، لذلك
لابد من إيجاد مركز إعلامي رئيسي على مستوى رئاسة الوزراء يدعم بخبرات إعلامية و إدارية جيدة، و يفوض بقرار من رئيس الحكومة بتولي مهمة متابعة تطوير المكاتب الصحفية و الإشراف على عملها حتى تصبح مراكز إعلامية تحقق قيمة مضافة لمؤسساتها ووزاراتها، فهي في النهاية لن تنشر مواد إعلامية نقدية ضد الحكومة بل ستكون معها برؤية عصرية تشعر المتلقي بأنها موضوعية و صادقة في تعاطيها مع القضايا المثارة...
زياد غصن
مجلة المال
المصدر:
http://syriasteps.net/index.php?d=160&id=291